أركان العقد:
لقد قام أصحاب القانون بتقسيم أركان العقد إلى ركنين أساسيين، يتمثل الركن الأول في التراضي ومحل العقد، أما الفرع الثاني فيمثل سبب وشكل العقد؛ وسنقوم بشرح كل من هذه الأركان فيما يلي:
1. التراضي والمحل:
من بين الأركان الأساسية في العقد والتي بغيابها يكون العقد باطلا بطلانا مطلقا نذكر التراضي والمحل؛ سنقوم ببيان تعريف وشروط كل منهما.
1. التراضي: التراضي هو تطابق الإرادتين الأيجاب والقبول حيث نصت المادة 59 من القانون المدني على أنه "يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية"، وحتى يكون التراضي صحيحا يجب أن يكون صادرا من أشخاص يتمتعون بالأهلية الكاملة أي أن يكونوا أشخاص أهل للتعاقد وأن تكون إرادتهما خالية من أي عيب من عيوب الإرادة وهي:
- الغلط: وهو وهم يقوم في ذهن المتعاقد يصور له أمرا على غير حقيقته ويكون هو الدافع إلى التعاقد.
- التدليس: هو إستعمال طرق إحتيالية بقصد إيقاع المتعاقد في الغلط، أي إيهامه بغير الحقيقة ودفعه إلى التعاقد بناء على هذا الوهم.
- الغبن الإستغلالي: هو التفاوت الكبير بين ما يعطيه أحد المتعاقدين وقيمة ما يحصل عليه نتيجة لإستغلال المتعاقد الآخر طيشه البين أو هواه الجامح.
- الإكراه: هو رهبة تتولد في نفس الإنسان نتيجة تهديده بإيقاع أذى به أو بغيره بدون حق إذا لم يبرم عقدا معينا، فيحمله ذلك على إبرام العقد.
2. المحل: المحل هو الشيئ أو العمل المعقود عليه، ففي عقد البيع مثلا يتم التعاقد على البيع نظير الثمن فيكون الشيئ المبيع أو المحل والثمن هو عوض المبيع، وفي عقد المقاولة يتم التعاقد إلى أن يضع المقاول شيئا او يقوم بعمل نظير أجر فكان هذا العمل هو المحل وأجر هو عوض ذلك العمل، لكي يكون المحل ركنا تاما من أركان العقد يجب أن تتوفر فيه شروط وهي:
- أن يكون موجودا أو قابل للوجود: أي أن يكون محل التعاقد موجودا أثناء التعاقد أو قابل للوجود مستقبلا أي لا يكون مستحيل التحقق، وقد نصت المادة 93 من القانون المدني على أنه إذا كان محل الإلتزام مستحيلا في ذاته كان العقد باطلا بطلانا مطلقا.
- أن يكون معينا أو قابل للتعيين: وتعيين المحل ييسر على المتعاقدين معاينته والتأكد من قيمته فإذا كان المحل شيئ قيمي وجب تعيينه بذاته، وإذا كان مثلى وجب تعيينه بجنسه ونوعه ومقداره كأن نقول قنطار من القمح الأسترالي عالي الجودة.
- أن يكون المحل مشروعا: ويكون المحل مشروعا إذا كان لا يتعارض مع أي نص من النصوص القانونية التي تمنع التعامل به، فيمنع مثلا التعاقد على بيع المخدرات أو الهواء في الجو أو الطيور وهي حرة طليقة، ويسمح التعامل في العقارات والمنقولات متى كانت ملكية خاصة لا يتعارض التعامل فيها مع القانون ومنه فإن المشروعية محددة بالقانون.
2. السبب والشكلية:
نتطرق في هذا الجزء إلى الركنين الباقين وهما سبب التعاقد وإعطاء العقد شكل رسمي يمكن الإحتجاج به.
1. السبب: سبب العقد هو الدافع أو الباعث الذي حمل الشخص على قبول التعاقد، والذي لولاه لما أبرم العقد، الذي يشتري سيارة للإستعمال الشخصي أو لأغراض التجارة، وحتى مصالح الضرائب تراعي سبب التعاقد، فالذي يستأجر بيتا لغرض السكن يعفى من دفع الرسوم النسبية والذي يستأجره لغرض تجاري فهو ملزم بدفع رسم نسبي أثناء تسجيل العقد بمفتشية الطابع والتسجيل، وللسبب شرط وحيد وهو أن يكون مشروعا، فإذا كان سبب التعاقد غير مشروع كان العقد باطلا بطلانا مطلاقا.
ويكون سبب العقد غير مشروع إذا كان مخالف للأداب العامة والنظام العام، كما إذا كان الدافع وراء إستئجار مسكن أو إستعماله في مكان للعب القمار أو إخفاء الأشياء المسروقة أو الممنوعة فإن سبب العقد في هذه الحالات غير مشروع، وبالتالي فالعقد باطل بطلانا مطلقا وقد نصت المادة 97 من القانون المدني على أنه "إذا إلتزام المتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام والأداب العامة كان العقد باطلا".
2. الشكلية: تستدعي المصلحة العامة إفراغ العقود في شكل معين وهذا بسبب التطور الذي بلغته الدولة في كافة الميادين الإقتصادية والإجتماعية وغيرها، وكما أن الشكلية تراعي المصلحة العامة وهي حسب النظرية الحديثة تضيق من سلطان الإرادة لفائدة الجماعة على حساب الفرد فهي تحمي المتعاقد كذلك.
فالمتعاقدان لما يتوجهان إلى الموثق لأجل إضفاء الرسمية على إتفاقهما يقوم الموثق بوضع ما إتفقا عليه في الميزان ويستخرج من اتفاقهما كل ما هو مشروع وغير مشروع ويصحح ما أخطآ فيه ويذكر ما أغفلاه ويحاول إقامة التوازن بين طرفي التعاقد حتى لا يكون هناك غبن أو إستغلال وتكون إردتهما مشوبة بأي عيب من عيوب الإرداة وبالتالي يكون العقد مرتبا أثاره على المتعاقدين وعلى الغير.
وبهذا فالشكليه هي الوعاء الذي يحوي كل الأركان دون الإخلال بأي ركن، ففي عقد البيع مثلا وبعد تسمية الهيئة المحررة للقعد وتاريخه وفهرسه يأتي ذكر طرفي التعاقد ورضاهما على البيع والمحل بتعيينه الكامل وسبب التعاقد وأصل ملكيته والثمن والتكاليف والشروط وغيرها كل هذه الأركان والشروط ما كانت لتتم وتكتب لولا الركن الثالث في العقد والذي يعرف بالشكلية.
أما في حالة غياب الشكلية فيقصد بها أن لا يتم إفراغ العقد في شكل رسمي وتكون ورقة مكتوبة ومحررة من طرف الموظف المكلف بذلك يوقع عليها الأطراف تستعمل للإثبات وتسهيلا للمعاملات خاصة في عصرنا الحالي الذي يتسم بالسرعة، فلا مجال أن يدعي شخص ملكيته لقطعة أرض وهو لا يحوز على عقد الملكية علما ان المادة 12 من قانون التوثيق تنص على بطلان أي عقد يكون غير رسمي.