دور التراضي في عقد البيع:
التراضي هو الركن الأول في عقد البيع إذ يشترط فيه تطابق الإرادتين أي الإيجاب من طرف البائع والقبول من طرف المشتري، وفي كل الأحوال يشترط في إنعقاد البيع أن يتم الإتفاق بين الطرفين على المبيع وعلى الثمن وعلى طبيعة العقد، أي على إرادة البيع وإرادة الشراء، وهذا ما سنتطرق إليه من خلال هذا المقال:
1. موضوعات التراضي:
ويقصد بها العناصر الأساسية للبيع والمتمثلة في (المبيع، الثمن، وطبيعة العقد)، أما المسائل التفصيلية كمحل أو زمان تسليم البيع فلا تمنع من إنعقاد البيع.
1. التراضي على طبيعة العقد:
يقصد بهذا أن تتجه إرادة البائع إلى البيع وإرادة المشتري إلى الشراء، فلا يكون بذلك توافق بين الإرادتين على ماهية العقد إذا إتجهت إرادة أحدهما إلى البيع والثاني إلى عقد آخر، فينعقد عقد البيع إذا قال أحد المتعاقدين للآخر أنا أبيعك هذه السيارة، فيجيب عليه الطرف الأخر أنا أقبل شراءها، ففي هذه الحالة يتفق الإيجاب مع القبول.
لكن إذا قصد أحد الأشخاص أن يؤجر منزله إلى آخر مقابل أجرة سنوية طوال حياته، فإعتقد الأخر أن يشتريه مقابل إبرام مرتب مدى حياة البائع، ففي هذه الحالة قصد الموجب شيء وقصد القابل شيء آخر، فلا يكون تمة إتفاق على طبيعة العقد ولا ينعقد بينهما بيع ولا إيجار؛ مثال: إذا قال أحد الأشخاص للآخر خد هذه الدار وأعطني 100.000 دج قاصدا بذلك رهن بهذا المبلغ، فيقبل الأخر هذا الإيجاب معتقدا أن صاحب الدار ينقل إليه ملكيتها لا رهنها.
2. التراضي على الشيء المبيع:
يعتبر الإتفاق على الشيء المبيع والذي يمثل محل عقد البيع أمرا واجبا لإنعقاد عقد البيع، ويقع ذلك إذا إتجهت إرادة البائع والمشتري إلى الشيء الذي يجري عليه الإتفاق بالبيع، فإذا كان هذا الشيء عبارة عن عقار وجب تطابق إرادة البائع والمشتري على هذا العقار دون غيره.
مثال: إذا كان لأحد الأشخاص سيارتان، واحدة من نوع fiate والثانية من نوع peugeut وأراد بيع الأولى فقبل أحد الأشخاص الشراء على أساس إتجاه إرادته نحو الثانية، فلا ينعقد عقد البيع لا بالنسبة للأولى ولا بالنسبة للثانية وذلك لعدم توافر تطابق الإيجاب بالقبول عليهما.
3. التراضي على الثمن:
فلا يكفي لإنعقاد البيع الإتفاق على نوع العقد والشيء المبيع (محله)، بل يجب الإتفاق على ثمن الشيء ومقداره، فلا ينعقد البيع إذا عرض أحد الطرفين البيع بثمن معين فقبل الطرف الآخر الشراء بثمن أقل، مثلا إذا عرض البائع سيارته بمبلغ معين وقبل المشتري الشراء بثمن أقل لا ينعقد البيع ما دامت الإرادتين غير متفقتين، وإذا عرض المشتري ثمنا أكبر من الثمن الذي عرضه البائع، فإن عقد البيع ينعقد بأقل الثمنين لأن المشتري الذي يقبل الشراء بالثمن الأكبر يعثبر راضيا بالثمن الأقل.
يكفي لإنعقاد عقد البيع أن يتم الإتفاق على المبيع والثمن وطبيعة البيع، أما بقية الشروط التي يمكن أن تكون موضوع إتفاق البائع والمشتري ليس من الضروري الإتفاق عليها وقت إبرام عقد البيع، فالبيع ينعقد على الرغم من سكوت الطرفين عن كثير من الأمور؛ إذا ترك المتعاقدان بعض الأمور لمناقشتها بعد إبرام العقد، لا يؤثر ذلك على إنعقاد العقد، لكن إذا إحتفظ أحدهما بمسألة معينة للإتفاق عليها فيما بعد، فإن العقد لا ينعقد حتى ولو كانت مسألة خارجية، والسبب في ذلك يعود إلى أن المتعاقد إحتفظ بها لأنه قصد من ورائها ألا يتم عقد البيع إلا بعد الإتفاق عليها.
عقد البيع ليس له شكل خاص فهو ليس عقد شكلي بل رضائي، فمتى تمّ الإتفاق على البيع والمبيع دون حاجة إلى ورقة رسمية ولا عرفية، إلا أنه قد ينص القانون في بعض الحالات الإستتنائية على شكل معين لأنواع خاصة من البيوع؛ وتجري على عقد البيع القواعد العامة في تفسير العقد، أي أنه إذا كانت عباراته واضحة لا يجوز البحث والإنحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين، أما إذا كانت غير واضحة وجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين، ويستعين القاضي بطبيعة التعامل والعرف الجاري.
2. صور خاصة للتراضي في عقد البيع:
سنتعرض في هذا الجزء كل من الوعد بالبيع والشراء ثمّ البيع الإبتدائي والبيع النهائي لننتهي إلى تبيان ما المقصود بالبيع بالعربون وأهم أحكامه.
1. الوعد بالبيع أو بالشراء:
هو عقد يلتزم فيه أحد المتعاقدين ببيع شيء للمتعاقد الآخر أو شراءه منه إذا ما أبدى الموعود رغبته في ذلك، أو يلتزم فيه كلا الطرفين أحدهما بالبيع والأخر بالشراء، إذا ما أبدى المتعاقد معه رغبة في إتمام البيع.
الوعد بالبيع يتكون من إيجاب وقبول، وكذلك الوعد بالشراء، لذا يعتبر عقدا لا مجرد إيجاب أو مشروع تعاقد، إذ أنه يدخل في طائفة العقود غير المسماة بإعتباره عقدا متميزا عن البيع، ويأخد الوعد بالبيع الصور التالية:
- الوعد بالبيع من جانب واحد: وهو وعد ملزم للبائع الذي يعد المشتري بيعه شيء معين خلال مدة معينة، فيقع على عاتقه الإلتزام لوحده، أما المشتري فلا يشغل ذمته أي إلتزام في مواجهة البائع، فهو إن شاء أتم البيع وإن شاء إمتنع عنه.
- الوعد بالبيع والشراء: ويقع عندما يلتزم كل من البائع والمشتري بالبيع والشراء خلال مدة زمنية معينة، وفي هذه الحالة يقع الإلتزام على كل من البائع والمشتري، ويترتب على عدم ظهور كل واحد منهما لرغبته في الفترة المحددة، لذلك سقوط الوعد بالتالي سقوط إلتزام البائع والمشتري.
- الوعد بالشراء: ومعناه وعد المشتري للبائع بالشراء إذا ما أعلن البائع رغبته بالبيع خلال المدة المحددة لذلك، ويقع الإلتزام في هذه الحالة على عاتق المشتري، ويكون البائع حرا في إعلان رغبته بالبيع فإذا أعلنها إلتزام المشتري بالشراء فينعقد العقد النهائي بينما إذا لم يعلن عنها ومضت المدة المحددة يترتب على ذلك سقوط الوعد، وبالتالي سقوط إلتزام المشتري بالشراء.
2. البيع الإبتدائي والبيع النهائي:
في المرحلة التمهيدية التي تسبق عادتا إبرام العقد النهائي للبيع، قد لا يكون المشتري مستعدا كل الإستعداد لدفع الثمن ويحتاج إلى فرصة للتأكد من خلو العقار من التكاليف العينية، مثلا: ومن جهة أخرى قد يكون البائع هو الآخر يحتاج وقتا لتحضير مستندات الملكية التي إلتزم بتقديمها في العقد الإبتدائي، وبالتالي تكون له مصلحة في تأخير إبرام العقد النهائي للبيع.
ويجب توافر شروط إنعقاد وصحة البيع الإبتدائي بإعتباره إتفاقا على البيع، فإذا توافرت هذه الشروط ترتب عليه آثار عقد البيع النهائي؛ والبيع الإبتدائي يسبق العقد النهائي زمنيا، كما لا تنفد الإلتزامات المترتبة على البيع الإبتدائي إلا حين تمام إجراءات العقد النهائي للبيع، على عكس العقد النهائي الذي يقتضي تنفيده فور وقوعه بينهما، إضافة إلى ذلك إن البيع الإبتدائي يلزم البائع والمشتري معا بإلتزام واحد وهو العمل على إبرام العقد النهائي للبيع في الوقت المحدد لذلك، وهذا يعطي الحق لكل من الطرفين في إجبار أحدهما الأخر بإتخاد إجراءات العقد النهائي لبيع في حالة تقصيره.
ومن آثار البيع النهائي: أنه ينسخ العقد الإبتدائي، إذ يعتبر العقد قائما بتاريخ عقد البيع النهائي، ومن تم فلا عبرة لتاريخ البيع الإبتدائي؛ كما يمكن للبائع والمشتري الإتفاق على تعديل شروط البيع الإبتدائي وقت تحرير عقد البيع النهائي، إذا اتفق البائع والمشتري على رسمية عقد البيع النهائي فإنه يكون رسميا ولو كان العقد الإبتدائي عرفيا (ورقة عرفية).
3. البيع بالعربون وأحكامه:
حسب نص المادة 72 مكرر من القانون المدني الجزائري العربون هو المبلغ النقدي الذي يدفعه أحد المتعاقدين إلى الأخرين وقت إبرام العقد، ويكون الغرض منه إما جعل العقد المبرم بينهما عقد نهائي، وإما إعطاء الحق لكل منهما في إمضاء العقد ونقضه.
ويرجع ذلك إلى نية المتعاقدين الصريحة والضمنية التي تكتشف من ظروف الحال، وفي كل الأحوال إذا تبين من نية المتعاقدين أن العربون قد قصد به إعتبار العقد نهائيا وتبثا فلا يجوز للبائع أو المشتري الرجوع في البيع والعدول عنه، ويعتبر العربون كجزء من الثمن.
وإذا قصد من العربون العدول عن العقد النهائي لأحد الطرفين: فبالنسبة للبائع إذا ثبت العدول في حقه عليه إلزام المشتري بإبرام العقد وإما أخد العربون والعدول عن البيع، وإذا ثبت في حق المشتري فعليه إما إلزام البائع بإبرام العقد وإما إسترداد العربون ومقدار مثله.