الإنضباط الوظيفي يشير إلى قدرة الموظفين على التحلي بالإلتزام والإنضباط في أداء مهامهم وواجباتهم بشكل متواصل ومنتظم، والإلتزام بالسياسات والإجراءات المنصوص عليها في مكان العمل؛ وفي مقالنا هذا سنتطرق إلى بعض جوانبه.
الإنضباط الوظيفي:
قبل أن نتطرق إلى مفهوم الإنضباط الوظيفي، سنذكر بإختصار أهم أنواع الإنضباط، حيث يمكننا أن نميز بين عدت أنواع من الإنضباط وهي كالآتي:
1. أنواع الإنضباط:
1. الإنضباط الذاتي: يقال أن الجهاد الآكبر هو جهاد النفس وقمع الذات، أي أن الإنضباط الذاتي هو ذلك الإنضباط الذي ينتج من نفس الشخص، أين يكون هو المسؤول عن مراقبة أفعاله وسلوكاته، وهذا يتكون عند الفرد من خلال تنشئته، إذ يعرف بأنه تنظيم الشخص لسلوكه ومسايرته للصور السلوكية التي ينظر إليها على أنها ملائمة ومرغوبة لتحقيق بعض المثل أو الآهداف المتصلة به شخصيا أو بجماعته الإجتماعية.
2. الإنضباط المفروض: هو ذلك الإنضباط التنظيمي الذي يفرض على الفرد، فالعامل مثلا عند دخوله إلى المؤسسة يجد نفسه أمام عدت قوانين ولوائح هو مجبر على إحترامها والإنضباط في تطبيقها، لأن عدم إحترامها سيكلفه عقابا صارما، قد يأذي به ذلك إلى خسارة منصبه أو وظيفته.
3. الإنضباط الوظيفي للفرد: سواء كان نابع من ذات الفرد أو مفروض عليه ففي النهاية هو خاص بالفرد ونتائجه تعود على الفرد بالدرجة الآولى؛ ويمكن القول أنه إنضباط ذاتي في مكان العمل أي أنه مزيج بين النوعين السابقين.
4. الإنضباط الوظيفي للجماعة: يتحقق عندما يتحقق الإنضباط الوظيفي لكل فرد أو عامل، فإن كان كل عامل يتحلى بسلوك الإنضباط الوظيفي سيؤدي إلى تحلي الجماعة بهذا السلوك، وفي بعض الأحيان يكون هناك أفراد لا يتحلون بهذا السلوك لكن عندما ينظمون إلى جماعة تتحلى بإنضباط وظيفي تؤثر عليه فيندمج معها ويكتسب هذا السلوك، وهناك جماعات لا تتحلى بهذا السلوك لكن بوجود مشرف فعال سيخلق هذا السلوك فيها ويظهر هذا في التضامن والتعاون والروح المعنوية المرتفعة.
5. الإنضباط الوظيفي للمؤسسة: يتحقق هذا النوع من الإنضباط عندما يقوم كل جزء أو نسق فرعي للمؤسسة بالدور المنوط به، ولا تكتمل إلى بتحقيق الإنضباط الوظيفي لكل جماعة عمل، وعند كل عامل بالمؤسسة مهما كان مستواه الإداري؛ أي أن الإنضباط الوظيفي للمؤسسة هو مجموع الإنضباط بين جماعات العمل.
6. الإنضباط الوظيفي للمجتمع: هذا الآخير يتحقق عندما تؤدي كل مؤسسة دورها ووظيفتها بكل إنضباط، وهذا إبتدءا من أصغر مؤسسة في المجتمع ألا وهي الآسرة والتي تعتبر النواة الأولى للمجتمع، فإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع.
بعد التطرق إلى أنواع الإنضباط، سوف نكمل في موضوع مقالنا الأساسي وهي الإنضباط الوظيفي في المؤسسة، حيث سنذكر بعضا من جوانبه فيما يلي.
2. تعريف الإنضباط الوظيفي:
الإنضباط الوظيفي هو الإلتزام بقواعد السلوك والعمل أو ضبط النفس عن عمل يخالف القواعد المرعية والمرسومة سواء داخل بيئة العمل أو خارجها ويعني أيضا الإلتزام بالنظام.
وهو ذلك السلوك الراقي الذي يسلكه العامل كردة فعل تجاه ثقافة التسيير المتبعة من طرف القيادات الإشرافية، حيث يعبر عن هذا السلوك من خلال ولائه للمؤسسة التي يعمل بها، وعن إلتزامه بكل الآنظمة والقوانين التي تنص عليها.
وبشعوره القوي بالإنتماء للمؤسسة وعدم الرغبة في تركها، والإخلاص في العمل، الإمتثال لأوامر المشرف، وكذا التعاون مع جماعة العمل والتضحية من أجلها؛ وتكمن أهمية ودور الإنضباط الوظيفي للمؤسسة في النقاط التالية:
لقد أثبت الكثير من الباحثين أن قوة أي مؤسسة ونجاحها تكمن في مواردها البشرية أكثر مما تكمن في نظمها وإجراءاتها، بل أكثر من ذلك تكمن في مدى إستعداد هذه الموارد لنشر معارفها وقدراتها.
ودافعيتها للعطاء والتضحية في العمل من أجل المؤسسة، إذ لا يمكن للمؤسسة أن تحصل على هذه الإستعدادات إلا بتشكيل وخلق سلوك الإنضباط الوظيفي عند عمالها لذا سنبين فيما تكمن أهمية هذا السلوك بالنسبة للمؤسسة.
يعتبر الإنضباط الوظيفي ثروة ملموسة لنجاح أي مؤسسة، حيث أن وجود نظام إنضباط للعمال بالمؤسسة الصناعية يضمن تقليل الخسائر وذلك بإكتشاف نقاط التقصير قبل تفاقمها مما يساعد على تعديل الإنحراف في العمل ومتابعة الآفراد بإستمرار.
وإحترام قواعد العمل بما يضمن تسطير العقوبات لمخالفيها وسلامة التحقيق وعدالة الجزاء، ويمثل حالة جوهرية تتطلبها مسألة إشاعة العدالة في أجواء العمل، ومن ثم إندفاع العاملين نحو العمل ورفع الكفاءة الإنتاجية وزيادة المردودية.
فالإنضباط الفعال له هدف الوقاية من المشاكل وتحقيق أي مردود، والحفز على خلق جو من العمل المرضي، لأن الانضباط يجب أن يطبق بطريقة مرضية، كما يقوم هذا الآخير بتحقيق إتقان العمل، والمردودية، والمحافظة على الوقت من خلال إحترام القوانين والتقليل من الغياب والتأخر، والحفاظ على ممتلكات المؤسسة وعدم تخريبها لأن العامل هو المتضرر الأول.
3. عوامل الإرتقاء بسلوك الإنضباط الوظيفي:
بما أن الفرد هو دائم الحاجة إلى المؤسسة، وهي الآخرى بحاجة ماسة إليه، يجب أن يكون هناك توافق بين أهداف العمال وأهداف المؤسسة من أجل الإرتقاء بسلوك الإنضباط الوظيفي.
إذ أن تحقيق هذا ليس بالشيء المستحيل إنما يتم بقيام المؤسسة والإدارة بإحتواء أهداف العمال ومحاولة تحقيقها في ظل أهداف المؤسسة، حيث أن عبء هذا يقع على الكفاءة الإشرافية للمدراء المتشبعين بـ الثقافة التنظيمية.
بإعتبار أنه لا يتم بث الإنضباط عند العمال ما لم يكن موجود عند المشرفين ففاقد الشيء لا يعطيه، لذلك فإن التغيير، والتطوير والإرتقاء بهذا السلوك يجب أن يتحقق أولا عند المشرفين لينتقل فيما بعد إلى العمال وهذا ما يؤكده لنا في قوله سبحانه وتعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» الرعد الأية (11).
فالمشرف هو الذي يعطي العبرة لمن يشرف عليهم فيكون لهم القدوة الحسنة التي يتبعونها، ويتشبهون بها ويسلكون سلوكاتها، ولذلك يجب أن يتحلى بالواجب، ويقوم بأعماله بكل تفان وإخلاص، وأن يقدس العمل، ويحترم الوقت ويتحكم في إستخدامه جيدا كأن يكون هو أول من يحضر إلى العمل صباحا وآخر من يغادر مساءا.
كما يعمل على إقامة جو من الثقة بينه وبين العمال فغياب الثقة بين أعضاء الفريق يؤدي إلى ضعف مستوى الإتصال والتعاون يكون محدودا، كما عليه أن يكون صريحا وواضحا في كل شيء وهذا فيما يخص طريقة العمل وأهدافه ومشاكله والمشاكل التي تعاني منها المؤسسة.
لأن هذا الوضوح يجعل العامل يشعر بالثقة، وعلى المشرف أن يقوم كذلك بإشراك العمال في إتخاذ القرارات والإستماع إلى آرائهم والإهتمام بمشاكلهم الخاصة ومعاملتهم معاملة إنسانية لرفع روحهم المعنوية والقضاء على فكرة المستحيل عندهم.
إذ يقول إبن القيم: "لو أن رجلا وقف أمام جبل وعزم على إزالته لأزاله"، لأنه من المعروف أن المؤسسات الجزائرية تعاني من إنتشار الآفكار السلبية في وسط العمال (مستحيل، لا يمكن فعل هذا، ألي خدم خدم بكري، نتاع البيلك...الخ).
كما عليه أن يركز اهتمامه على تعزيز سلوكيات الآفراد الآكثر ولاء وإنتماء للمؤسسة من خلال المكافآت والتحفيزات المستمرة لحث بقية العمال الأخرين للتحلي بنفس هذه السلوكيات.
4. دور التنشئة الإجتماعية في تكوين الإنضباط الوظيفي:
إن تكوين الإنضباط الوظيفي للعامل في المؤسسة لا يتم بمجرد دخول هذا الآخير للمؤسسة بل هو مرتبط بالتنشئة الإجتماعية التي نشأ عليها منذ الصغر.
فالتنشئة الإجتماعية هي السيرورة التي يتم من خلالها إندماج الفرد في المجتمع من خلال إستنباطه للقيم والمعايير والرموز، ومن خلال تعلمه للثقافة في مجملها.
كما يتعلم الفرد فيها عن طريق التفاعل الإجتماعي أدواره الإجتماعية والمعايير الإجتماعية التي تحدد هذه الآدوار، ويكتسب الإتجاهات النفسية والأنماط السلوكية التي توافق عليها الجماعة ويرتضيها المجتمع.
حيث أن هذا يتم تعلمه من مؤسسات التنشئة الإجتماعية الرسمية كالأسرة والمدرسة في أول الأمر، لأن الأسرة هي المسؤول الأول عن تلقين الأفراد أو الأطفال بمختلف السلوكيات التي تبقى راسخة عند الطفل إلى الكبر.
فالتعلم في الصغر كالنقش على الحجر، وبعدها تأتي المدرسة التي تلقنه السلوكيات والمعارف الجديدة التي توجه مواهبه وانشغالاته، وتكون شخصيته ليصبح قادر على التكيف مع بيئته وعمله، لتأتي فيما بعد مؤسسات التنشئة غير الرسمية كالمسجد الذي يصحح بعض السلوكيات ويعلم القيم الآخلاقية وكذا الإعلام بمختلف أشكاله.
فإذا كانت كل مؤسسة من هذه المؤسسات تقوم بوظيفتها على أحسن وجه في تشكيل جوانب السلوك لدى الفرد وتحديد قيمه الراقية، ستتكامل فيما بينها وتنتج لنا عامل ذا مواطنة تنظيمية عالية.
والعكس تماما سيحدث إن لم تقم إحدى هذه المؤسسات بالوظائف المنوطة بها لاسيما الأسرة، لينتج لنا العامل الكسول المتهاون الإتكالي، لأن القيم تعتبر محورا هاما للشخصية ومعيارا أساسيا للحكم على صحة وإعتلال السلوك.
وبالتالي فإن الإختيار الأفضل لتحقيق الإنضباط الوظيفي داخل المنظمة هو إستحضار القيم الإيجابية، وتعزيز مكانة هذه القيم بين العمال من خلال ثقافة التسيير التي تعمل على إستحضار القيم الشخصية الإيجابية للفرد التي إكتسبها من خلال تنشئته الإجتماعية، ودمجها في القيم التنظيمية للمؤسسة.
لأن العلاقة بين قيم الأفراد وقيم المنظمة التي يعملون بها هي علاقة تأثر وتأثير، ليس على مستوى الفرد فقط بل على مستوى القيادات الإشرافية على وجه الخصوص، لأن المشرف بما يحمله من قيم له تأثير كبير على قيم العمال.
فإن كانت قيمه سلبية سيكون تأثيره سلبي على العمال والعكس صحيح، وهذا لأن القيم تمثل عنصرا هاما في تشكيل السلوك التنظيمي للعمال، ويعود السبب في ذلك أنها تؤثر على إدراكهم، كما أنها قوة محركة ومنظمة للسلوك.
5. الإجراءات الوقائية الخاصة بنظام الإنضباط الوظيفي:
بهدف تجنب الإنحرافات في سلوكيات العاملين، تتخذ الإدارة إجراءات وقائية خاصة بنظام الإنضباط، وذلك بالتركيز على وظائف معينة في إدارة الأفراد وتحديد درجة مساهمتهم في ذلك، وتتمثل هذه الإجراءات في:
- إختيار العاملين وفق المعايير المتوافقة بين كل من الخصائص الوظيفية ومتطلبات المنظمة.
- جمع المعلومات عن خلفية قدرات وسلوكيات وإستعدادات المتقدمين للوظيفة.
- المقابلات المتعددة من قبل أشخاص ذوي خبرة للتقليل من التحيز الذي يقود للإنحرافات.
- الإعتماد على برامج الإتصالات والحصص التدريبية للعاملين الجدد، لتوجيههم مسبقا لما هو مطلوب منهم.
- تدريب المشرفين على أسلوب التعامل لتقليص الفجوة بينهم وبين العاملين.
- تصميم الوظائف بدرجة عالية من المرونة لإستيعاب العاملين للتغيرات الطارئة ومنحهم فرص النمو والتطور.
- تحديد المعايير المقبولة في تقويم أداء العاملين وتحديد كيفيته.
- التركيز على المعلومات المرجعية من المشرفين للعمال ومناقـشة الجوانب السلبية وإيجاد الحلول الممكنة لها.
- توثيق نتائج التقويم لكل عامل مع كافة الإجراءات التي تم إتخاذها من قبل الإدارة بصدد نتائج التقويم لحماية الإدارة من الإدعاءات المستقبلية من قبل العاملين.
- توضيح أسس وإجراءات تحديد الأجور والرواتب والحوافز التشجيعية للعاملين.
- تحديد أساليب الإستئناف والتمييز التي قد يمارسها العاملون حيال الإدارة عند إحساسهم بعدم عدالتها وذلك للتقليل من السلوكيات السلبية.
ويتم تحقيق الإنضباط وكذا الإلتزام "بالتوجيه والإرشاد، المراجعة المستمرة للمهمات والتكليفات، وضوح القرارات والمهام، تطبيق النظام الأساسي واللوائح بعدالة وحزم، وتشجيع الأعضاء وتحفيزهم، والإرشاد بالأداء الجيد، وإتخاذ الإجراءات اللازمة في حال الإخلال بالإلتزام، التقييم المستمر للأداء وأن يكون المسؤول قدوة حسنة للأعضاء".
ومما سبق يتبين لنا أن الإنضباط في العمل هو نظام شامل لضبط سلوكيات الأفراد العاملين بالمنظمة، وذلك من خلال الإعتماد على أنظمة وقواعد رسمية عن سير العمل لتسترشد بها في أدائها لمهامه.