تهدف نظريات التحفيز إلى مساعدة الإدارة على تطوير إستراتيجيات فعّالة لتحفيز الموظفين وزيادة إنتاجيتهم ورضاهم الوظيفي؛ وفي هذا المقال سنتطرق إلى أشهر نظريات التحفيز التي قدمت في علم الإدارة.
نظريات التحفيز في علم الإدارة:
نظريات التحفيز في علم الإدارة هي مجموعة من النظريات والمفاهيم التي تهدف إلى فهم وتفسير ما يحفز الأفراد على تحقيق الأداء العالي في بيئة العمل، حيث تركز هذه النظريات على العوامل التي تؤثر على سلوك الموظفين وتحفزهم، سواء كانت هذه العوامل تتعلق بالإحتياجات الشخصية، أو بالمكافآت والمزايا، أو بالعلاقات الإجتماعية، أو بالأهداف المحددة.
1. نظرية الحاجات لماسلو (هرم ماسلو للحاجات):
تعتبر نظرية أبراهام ماسلو (Abraham Maslow) والتي ظهرت عام 1954، من أهم نظريات التحفيز، حيث قام ماسلو بترتيب حاجات الإنسان في شكل هرم كما هو موضح في الصورة، وفيما يلي شرح مختصر لهذه الحاجات:
1. الحاجات الفسيولوجية: تعد الحاجات الفسيولوجية نقطة البداية والركيزة الأساسية في هرم ماسلو، وتتمثل في الحاجات ذات العلاقة بالتكوين البيولوجي للإنسان كالماء، الأكل، الهواء...الخ، وهي ضرورية ومهمة لحياة الإنسان.
2. حاجات الأمن والإستقرار: تحتل المرتبة الثانية في هرم ماسلو، فعندما يستطيع الإنسان إشباع الحاجات الفسيولوجية ينتقل بعدها إلى إشباع حاجات الأمن، والتي قد تأخذ صورة الإستقرار والثبات في العمل، التأمين ضد العجز والبطالة...الخ.
3. الحاجات الإجتماعية: تحتل المرتبة الثالثة في هرم ماسلو، فعندما يتم إشباع الحاجات السابقة الذكر ينتقل الإنسان إلى إشباع حاجاته الاجتماعية والتي قد تأخذ صورة حاجات الحب والإنتماء، حاجات تكوين الصداقات العلاقات الإجتماعية داخل وخارج العمل...الخ.
4. حاجات التقدير والإحترام: تحتل المرتبة الرابعة في هرم ماسلو، تأتي مباشرة بعد أن يشبع الإنسان الحاجات الثلاثة السابقة الذكر، وتعني حاجات التقدير والإحترام رغبة الإنسان في كسب الإحترام والتقدير من الآخرين حتى يتنامى لديه الشعور بالأهمية والثقة.
5. حاجات تحقيق الذات: هي الحاجة الأخيرة في هرم ماسلو، تعكس الرغبة الكبيرة للإنسان في أن يكون أكثر تميزا من غيره وأن يصبح قادرا على فعل أي شيء يستطيعه.
هذا وتقوم نظرية تدرج الحاجات لماسلو على مجموعة من الإفترضات نذكر من أهميا:
- الإنسان كائن حي له عدة حاجات قد تؤثر في سلوكه، فالحاجات غير المشبعة تسبب له توترا، أي أنها تؤثر في سلوكه، أما الحاجات المشبعة فهي لا تحرك ولا تدفع السلوك الإنساني وبالتالي فهي لا تؤثر فيه.
- تتدرج حاجات الإنسان في شكل هرمي يبدأ بحاجات النقص التي تضم الحاجات الفسيولوجية وحاجات الأمن، الحاجات الإجتماعية، وتنتهي بحاجات النمو التي تضم كل من حاجات التقدير والإحترام وحاجات تحقيق الذات.
- يقوم الإنسان باشباع حاجاته بشكل متدرج بدءا بالحاجات الفسيولوجية، ثم ينتقل إلى حاجات الأمن ثم الحاجات الإجتماعية، ثم حاجات التقدير والإحترام وخيرا حاجات تحقيق الذات.
هذا وقد وجهت العديد من الإنتقادات لهذه النظرية، ومن أهميا:
- إعتبر ماسلو أن جميع البشر يتدرجون بطريقة واحدة متسلسلة في إشباع الحاجات بدءا بالحاجات الفسيولوجية إلى غاية حاجات تحقيق الذات، رغم أن الواقع لا يقر بصحة ذلك دائما، ففي الحالة التي يرث فيها مثلا شخص ثروة عن عائلته فإن الحاجات الفسيولوجية وحاجات الأمن والحاجات الإجتماعية ستكون مشبعة، وبالتالي فإن إشباع هذا الشخص لحاجاته سيكون إنطلاقا من الحاجة الرابعة وهي حاجة التقدير والإحترام.
- تفترض النظرية أن الإنسان يقوم بإشباع حاجة واحدة فقط في كل مرة، ولا يتنقل إلى إشباع الحاجات العليا إلا بعد أن يقوم بإشباع الحاجات الدنيا، لكن هذا غير موجود دائما في الواقع، حيث يمكن للإنسان أن يقوم بإشباع أكثر من حاجة في نفس الوقت، فمثلا يسعى إلى الحصول على العمل وفي نفس الوقت يسعى إلى تكوين علاقات إجتماعية مع الآخرين والحصول على التقدير والإحترام منهم.
- تفترض النظرية أن ترتيب الحاجات ثابت عبر الزمن، ولكن في الحقيقة هذه الحاجات تتغير مع تغير العوامل والظروف المحيطة بالإنسان مما يدفعه إلى إعادة ترتيبها لتتوافق مع التغيرات والظروف الجديدة المحيطة به.
2. نظرية ذات العاملين:
قدم هيرزبرج (Herzberg) عام 1959 نظريته المعروفة بإسم "نظرية ذات العالمين"، والتي فصل فيها بين العوامل المسببة للرضا الوظيفي والعوامل المسببة لعدم الرضا الوظيفي، حيث كان الإعتقاد السائد عند الباحثين قبل طرح هيرزبرج لنظريته هو أن الرضا الوظيفي ذا بعد واحد، أي أن العوامل التي تؤدي للرضا الوظيفي هي نفسها العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى عدم الرضا الوظيفي.
وبعد دراسة أجراها هيرزبرج على 200 محاسب ومهندس، طلب منهم تذكر الفترات التي كان يسيطر عليهم فيها الشعور بالرضا وعدم الرضا الوظيفيين، وما الأسباب التي أدت إلى هذا الشعور، توصل إلى تحديد مجموعتين مستقلتين من العوامل، سميت المجموعة الأولى بمجموعة العوامل الدافعة التي تؤدي في حالة توفرها إلى الشعور بالرضا الوظيفي، وهي مرتبطة بمحتوى الوظيفة وتضم عدة عوامل من أهميا الإنجاز، المسؤولية، التقدير، التقدم والنمو، أهمية الوظيفة.
أما المجموعة الثانية فسميت بمجموعة العوامل الوقائية (مجموعة عدم الرضا الوظيفي) والتي ترجع إلى الظروف المحيطة بالوظيفة، وتضم عدة عوامل نذكر من أهمها ظروف العمل، الإشراف، سياسات المؤسسة، الأجر والعلاقات مع الآخرين...؛ وبالرغم من الإسهامات الكبيرة التي قدمتها نظرية ذات العاملين للإدارة إلا إن هذا لا يعني خلوها من بعض النقائص، حيث وجه إليها علماء النفس والسلوك عدة إنتقادات نذكر من أهمها:
- إفتراض هيرزبرغ أن العوامل الدافعة هي المحدد الوحيد للأداء وهذا غير صحيح، حيث أن الدافعية تمثل فقط أحد عوامل الأداء.
- عدم قيام هيرزبرغ بتجارب ميدانية كافية، تثبت عدم دقة النتائج التي توصلت إليها نظريته وبالخصوص ما تعلق منها بالأداء.
- صغر حجم العينة التي إستخدمها هيرزبرغ في بحوثه، حيث أنها لا تتجاوز 200 محاسب ومهندس وهذا يفتح الباب واسعا أمام الشكوك حول إمكانية تعميم نتائج نظريته.
- لم تتمكن البحوث والدراسات الميدانية التي إستخدمت أساليب منهجية مخالفة للأسلوب المنهجي الذي أستخدمه هيرزبرغ من الوصول إلى نفس النتائج، وهذا يفتح الباب واسعا أُمام الشكوك حول إمكانية تعميمُ نتائج نظريته.
3. نظرية التوقع:
طرح هذه النظرية فيكتور فروم (Victor Vroom) عام 1964، وتتلخص إفتراضاتها في:
- التوقع (Expectanc): ويقصد به إعتقاد الفرد بأن الجهد الكبير سيعطي نتائج وأداء عالي.
- المنافع (Instrumentalit): ويقصد به إعتقاد الفرد بأن الأداء الناجح ستتبعه مكافأة مناسبة.
- القيمة (Valance): وتتمثل في تقييم الفرد للمنافع المتوقع حصولها عند إنجاز العمل أو المهمة.
إن هذه العناصر الثلاثة هي المحدد الرئيسي لتحفيز الفرد وإندفاعه نحو الإنجاز والعمل بأفضل ما عنده، وقد تمت صياغة فكرة هذه النظرية في المعادلة التالية: M = E x I x V.
إن أي قيمة صفرية في الطرف الأيمن من المعادلة يعني أن التحفيز لدى الأفراد ستكون صفرا، لدى لا بد من أن يعمل المدراء على تعظيم هذه القيم الثلاثة إلى أقصى ما يمكن.
4. نظرية العدالة:
قدم ستاسي آدمز (Stacy Adams) عام 1965، ظريته المعروفة بإسم "نظرية العدالة" والتي حاول من خلالها تفسير السلوك الإنساني في المؤسسات بصفة عامة والرضا الوظيفي بصفة خاصة.
وتقوم هذه النظرية في تفسيرها للرضا الوظيفي على فرضية رئيسية هي أن درجة الرضا الوظيفي للفرد تتوقف على مقدار ما يشعر به من عدالة بين المجهودات التي يقدمها لوظيفته، مقارنة مع العوائد التي يحصل عليها نتيجة هذه المجهودات.
وحسب آدمز فإن الفرد لا يقصر عملية المقارنة على نفسه فقط، بل يقارن أيضا بين المجهودات التي يقدمها الأخرين وما يحصلون عليه من عوائد جراء ذلك، وكلما كانت نتيجة هذه المقارنة عادلة كلما زاد مستوى شعور الفرد بالرضا الوظيفي، والعكس صحيح.
5. نظرية الحاجات الثلاثة (حاجات الإنجاز لماكميلاند):
قدم ماكميلاند (Mclelland) عام 1973، نظريته المعروفة بإسم نظرية الحاجات الثلاثة أو حاجات الإنجاز، حيث صنف الحاجات في ثلاث مجموعات هي:
- الحاجة للإنجاز (Need for Achievement): تمثل الرغبة التي يبديها الفرد نحو تحقيق معدلات أداء عالية والوصول إلى تحقيق الأهداف الموضوعة بفعالية، أي بإختصار هي الرغبة في التميز.
- الحاجة للقوة (Need for Power): تمثل رغبة الفرد في التحكم في سلوك الآخرين، أي هي الرغبة في ممارسة السلطة عليهم.
- الحاجة للإنتماء (Need for Affiliation): تمثل رغبة الفرد في تشكيل علاقات صداقة وود مع الآخرين.
هذا وتقوم نظرية الحاجات الثلاثة لماكميلاند على مجموعة من الإفترضات نذكر من أهمها:
- إن الحاجات الثلاثة (الحاجة للإنجاز والقوة والإنتماء) السابقة تكتسب وتتطور مع تطور خبرات الفرد في الحياة.
- يتباين شعور الأفراد فيما بينهم نحو الحاجة للإنجاز، فالأفراد الذين يتميزون بأن لديهم دافع قوي للإنجاز يرتفع لديهم الشعور بالسعادة والرضا من تحقيق النتائج الجيدة، عكس الأفراد الذين يتميزون بدافع إنجازي ضعيف.
- لا يصلح أن يكون مديرا جيدا ذلك الشخص الذي يتميز بدافع الإنتماء العالي، حيث يرى ماكميلاند أن سعي هذا الشخص لتعزيز علاقاته الاجتماعية يؤدي إلى عدم الفعالية والفاعلية في إتخاذ القرارات، حيث سيتم في هذه الحالة تغليب الإعتبارات الأجتماعية، الشخصية على الإعتبارات الموضوعية.
وعليه فإنه حسب نظرية ماكميلاند، فإن الفرد الذي يتميز بأن لديه دافع قوي للإنجاز سيكون أكثر رضا عند تحقيق نتائج ناجحة من ذلك الفرد الذي يتميز بأن لديه دافع إنجاز ضعيف؛ وكذلك فإن الفرد الذي يتميز بأن لديه دافع قوي للانتماء سيكون أكثر رضا من الفرد الذي يتميز بأن لديه دافع ضعيف للإنتماء.
من أهم الإنتقادات التي وجهت لهذه النظرية هي تركيزها الكبير على حاجة الإنجاز فقط وتجاهلها باقي الحاجات الإنسانية، والتي من الممكن أيضا أن تكون محرك أساسي لدافعية الفرد لأداء عمله.