ما هو النفط؟
يعتر النفط في عصرنا الحالي من المواد الأساسية والمهمة التي تحدد إقتصاد أي دولة وتحدد شكل العلاقات الإقتصادية بين الدول، فالنفط مادة حيوية تتميز بالطلب الكبير عليها بسبب خصائصها، لأنه يدخل في صناعة العديد من المنتجات، كما يستخدم في العديد من الصناعات الحيوية، وسوف نتطرق في هذا المقال إلى مفهوم النفط بصفة عامة.
1. تعريف النفط:
لابد أولا من التنويه بأن إستخدام كلمة أو مصطلح النفط ليس موحدا في جميع الأوساط العالمية عامة والجامعات بصفة خاصة، سواء على الصعيد الدولي أو العربي، فالبلدان الغربية تستخدم كلمة بترول لأن أصلها لاتيني.
أما بلدان أوروبا الشرقية فيستخدمون كلمة نفط، وفي منطقتنا العربية منقسمون في إستخدامهم لهاذين المصطلحين، ويعرف النفط على أنه: "كلمة مأخوذة من اللغة الفارسية نافت أو نافتا وهي تعني قابلة للسيلان، أم تعني الصخرة وكلمة بترول فهي مشتقة من كلمتين لاتينيتين بترا وأليوم.
كما يعرف على أنه: "مادة بسيطة مكونة كميائيا من عنصرين فقط هما الهيدروجين والكاربون ومركب من حيث إختلاف خصائص مشتقاته، وهو سائل ذهني له رائحة خاصة تميزه وتختلف ألوانه بين الأسود والأخضر، البني والأصفر، كما تختلف لزوجته تبعا لكثافته النوعية".
من خلال ما تقدم يمكن تعريف النفط على أنه: جميع الترسبات الموجودة في باطن الأرض بصورة طبيعية، وهو عبارة عن سائل لزج وكثيف ويحتوي أيضا على مواد صلبة وأخرى غازية يأخد ألوان مختلفة ويتميز برائحة قوية وقابلة للإشعال.
2. أهمية النفط:
غيرت الثروة النفطية مسار الحياة البشرية بشكل لم يسبق له مثيل، حيث أصبح الرمز الأساسي للتقدم الإقتصادي في أي بلد، نظرا لأهميته في جميع المجالات، والتي نبرزها فيما يلي:
✓ الأهمية الإقتصادية للنفط: يلعب النفط مصدرا كبيرا في القطاع الإنتاجي والتنموي للدول المستهلكة والمنتجة على حد سواء، كما يعتبر مصدر للإرادات المالية خاصة لدى الدول التي تعتمد في إقتصادياتها على النفط في الدخل الوطني، ويعتبر أهم سلعة في التبادل التجاري.
كما أن للنفط دور كبير في تنشيط الأسواق المالية حيث توجد بورصات نفطية كبيرة يتم التداول فيها بالعقود النفطية، وللقطاع النفطي دور في تشغيل اليد العاملة من خلال الشركات النفطية الكبيرة.
✓ الأهمية السياسية للنفط: النفط عامل مؤثر على الإستقرار السياسي وذلك من خلال محاولة الدول الصناعية الحصول عليه بأي شكل حتى بإقامة الحروب، كما أن النفط يعتبر سلاح ضغط على دول أخرى، ويعتبر أيضا سبب من أسباب نشوب الحروب في العصر الحديث وذلك من أجل السيطرة عليه.
3. أنواع النفط ومنتجاته:
النفط الخام الموجود في الطبيعة رغم كونه مادة متجانسة في عناصره المكونة له، إلا أنه لا يكون على نوع واحد في العالم، فهو على أنواع متعددة تتأثر تلك الأنواع بالخصائص الطبيعية أو الكيمياوية أو بالكثافة أو باللزوجة أو بحسب إحتواءه على المادة الكبريتية، سنستعرض في مايلي أنواع النفط ومنتجاته كالأتي:
- يتباين النفط ويختلف في نوعه من منطقة وبلد إلى آخر وحتى داخل الحقل الواحد لا يوجد نفط واحد في نوعه، بل قد توجد أنواع متعددة، فالمنطقة الأوروبية تحتوي على نفط مختلف عن نفط القارة الإفريقية والنفط العربي في المنطقة الآسيوية مختلف عن النفط العربي في المنطقة الإفريقية.
- من حيث التركيب فقد يكون النفط بارفينيا وهو النفط المحتوي على نسبة عالية من المركبات الهيدروكاربونية البارافينية، أو قد يكون نفطا نافتينيا وهو النفط المحتوي على نسبة عالية من المركبات النافتينية، أو يكون من المواد الإسفلتية هناك نفط خفيف، ثقيل، متوسط، وهناك نفط بحسب درجة الكثافة النوعية (عالي أو منخفض)، كما يوجد نفط حلو ومر للتدليل على مقدار ونسبة إحتوائه على المادة الكبريتية، هذا إلى جانب الأوصاف الأخرى لأنواع النفط.
إن هذا الإختلاف والتباين في أنواع المادة النفطية تنجم عنها تأثيرات متعددة على الصناعة والنشاط والإقتصادي النفطي ومن أبرز هذه التأثيرات هي التأثير على قيمة وسعر النفط والتأثير على الكلفة الإنتاجية من حيث نقاوته وكذا على طريقة التكرير ونوعية المصافي النفطية.
التأثير على العرض النفطي من خلال تقدير ما يحصل عليه من مقدار ونسبة المنتجات النفطية الممكن الحصول عليها من ذلك النوع النفطي أي ما يتعلق بمرحلة المصب الخاصة بالصناعة البتروكيماوية.
لا يمكن إستعمال وإستهلاك النفط كمادة خام إلا بعد تصفيته أو تكريره لتحويله إلى منتجات سلعية نفطية مختلفة، بعضها ذو قيمة سعرية وحرارية عالية مع سعة وتنوع في الإستهلاك والإستعمال، والبعض الآخر منخفض السعر والحرارة مع محدودية وعدم تنوع إستعماله وإستهلاك الصناعة النفطية.
ما هي الصناعة النفطية؟
1. تعريف الصناعة النفطية:
تعرف الصناعة النفطية على أنها: "مجموعة النشاطات الإقتصادية والفعاليات أو العمليات الصناعية المتعلقة بإستغلال الثروة البترولية سواء بإيجادها خاما وتحويل ذلك الخام إلى منتجات سامية صالحة وجاهزة للإستعمال والإستهلاك المباشر أو غير المباشر من قبل الإنسان".
ولقد أصبح شائعا ومعروفا لدى المعنيين بالشؤون الإقتصادية وكذلك هيئة الأمم المتحدة من التمييز والتفريق بين الصناعات المختلفة وبصورة خاصة بين الصناعات الإستراتجية والصناعات التحويلية والتي نعرفها في مايلي:
- الصناعة الإستخراجية: تهدف إلى إستخراج الثروات الطبيعية من باطن الأرض وتسويقها بعد إجراء ما يستلزمه هذا التسويق من تركيز أو تنقية أو تعبئة...إلخ.
- الصناعة التحويلية: فهي تهدف إلى تحويل تلك المواد الأولية إلى أشكال أخرى تزيد من مجالات إستخراجها لخدمة المزيد من الأغراض الإنتاجية أو الإستهلاكية لهذا فإن الصناعة البترولية تكون على عدة مراحل وأنواع مختلفة وهي تجمع الصناعة الإستخراجية والصناعة التحويلية.
2. مراحل الصناعة النفطية:
تمر الصناعة النفطية بعدة مراحل نذكرها في مايلي:- مرحلة الإستكشاف والإستطلاع: وتشمل هذه المرحلة عمليات المسح الجيولوجي المعقدة للمناطق المختلفة وتحليل الطبقات الصخرية وذلك من أجل تحديد المنطقة التي ستجري بها نشاطات البحث لتحصل الشركات بعدها على عقود إمتياز تخولها حق التنقيب عن البترول في المناطق المحددة ولا يعني الحصول على حق الإمتياز وجود النفط بشكل مؤكد لأنه يجري بعد ذلك إستكشاف جيولوجي أكثر تفصيلا وعمقا لتحديد أفضل مكان لحفر البئر التجريبي.
- مرحلة الحفر والتنقيب: بعد أن يفرغ الجيولوجي من تحديد مكان يحتمل وجود النفط فيه، تبدأ خطوة الحفر وهي مرحلة مهمة للتأكد ما إذا كان هناك وجود للنفط أول حيث أن الحفر هو الوسيلة الوحيدة التي يتم بموجبها التحقق من وجود النفط أو عدمه، إن الدقة في إختيار مواقع الآبار لا تحتمها الناحية العلمية فقط بل الناحية الإقتصادية كذلك بسبب التكلفة الكبيرة.
- مرحلة الإنتاج والنقل: وتشمل هذه المرحلة العملية التي يتم فيها نقل النفط الخام من مكان تواجده إلى مراكز إنتاجه، وذلك بتوفير جميع الوسائل والمعدات والآلات اللازمة لهذه المرحلة وقد تكون مناطق تصدير النفط قريبة أو بعيدة وعلى النطاق الداخلي أو الخارجي.
- مرحلة التكرير: وتتمثل هذه المرحلة في عملية تحويل النفط من حالته الأولى إلى منتجات مختلفة عن طريق مروره بعدة عمليات، وتختلف قيمة البرميل المركب وكمية المنتجات بحسب العمليات التي تجرى على البرميل الخام بالإضافة إلى تأثير خصائص النفط الخام وتركيبه والمحتوى الكبريتي في تلك القيمة وفي نوعية المنتجات خفيفة أو ثقيلة.
ما هي الأسواق النفطية والأطراف الفاعلة فيها؟
تعرف السوق النفطية بأنها: "السوق التي يتم التعامل فيها بمصدر مهم من مصادر الطاقة وهو البترول، يحرك هذه السوق عاملي العرض والطلب كأي سلعة أخرى بالإضافة إلى عوامل أخرى كالعوامل السياسية، العسكرية، المناخية وتضارب المصالح بين المستهلكين والمنتجين والشركات البترولية".
1. أنواع السوق النفطية:
تأخذ تجارة النفط عدة أشكال مثل البيع والتسليم الفوري أو البيع والتسليم الآجل في فترة زمنية مقبلة، وفي ما يلي سنتطرق لأنواع الأسواق العالمية للنفط.
✓ الأسواق الفورية: ينطبق مفهوم السوق الفوري على مجمل الصفقات الفورية التي تمت في منطقة يتمركز فيها نشاط التجارة على منتوج أو عدة منتجات، تنعكس حركة الأسعار الفورية الظروف الحالية لأسواق النفط وحالة التوازن بين العرض والطلب.
وتتأثر الأسواق الفورية بالإشارات التي تتسلمها من الأسواق الآجلة حيث ينعكس الإرتفاع في الأسعار المستقبلية في إرتفاع ثنائي للأسعار الفورية ومستويات المخزون النفطي لغرض التحوط من إرتفاع الأسعار الفورية مستقبلا وتتواجد أهم الأسواق الفورية للنفط في أروبا (لندن)، آسيا (سنغفورة)، أمريكا (نيويورك) حاليا تشكل التجارة النفطية الفورية حوالي 11 % من تجارة النفط دولية.
✓ الأسواق الآجلة: المقصود بالسوق النفطية الآجلة شراء عقود بترولية مستقبلية قابلة للتسليم في وقت محدد سلفا والإحتفاظ بها لعدة أشهر أو سنوات من تاريخ الشراء، وبأسعار تحددها تلك السوق من خلال تداول هذه العقود والتي لا تخضع إلى مراقبة محكمة.
وهنا تجدر الإشارة إليه أن بعض العقود الآجلة مختلفة السلع تستدعي التسليم المادي للأصول المتعاقد عليها إلا أن الغالبية يتم تسويتها نقدا تستخدم العقود الآجلة إما للحماية من تقلبات الأسعار الفورية.
حيث أنها تقلل من كمية المخاطر نتيجة الإتجار بالنفط في الأوقات التي تحدث فيها تقلبات كبيرة في الأسعار، كما أنها تتيح الفرصة للمضاربين لتحقيق الأرباح من الكسب من هذه التقلبات ويوجد فرعان لهذا الشكل من الأسواق، الأسواق البترولية المادية الآجلة والأسواق البترولية المالية الآجلة:
- الأسواق البترولية المادية الآجلة: تعمل مثل الأسواق البترولية الفورية ولكن بآجال أطول من 88 يوما، وتتم العمليات بالتراضي لسعر معين مع تسليم لآجال لاحقة، وهذا النوع من الأسواق تلزم المشتري بتحديد حجم الشحنة التي لا يجب أن تقل عن 800 ألف برميل للبائع مع تحديد تاريخ توفرها.
- البورصات البترولية المالية الآجلة: يتم التعامل فيها بالعقود الآجلة وليس بشحنات البترول، وهذه العقود لها طابع السندات المالية وهي بمثابة تعهد بالبيع أو الشراء بكمية محددة من البترول الخام أو المشتقات البترولية من نوع محدد، وتوجد ثلاث بورصات نفطية كبرى في العالم وهي (سوق نيويورك لتبادل التجارة وسوق المبادلات البترولية العالمية بلندن سوق سنغافورة النقدي العالمي).
2. الأطراف الفاعلة في السوق النفطية:
تشمل السوق النفطية عدة أطراف فاعلة وذلك من ناحية الدول المنتجة ومن ناحية الدول المستهلكة والتي تتمثل فيما يلي:
1. من ناحية الدول المنتجة: وتشمل الدول التابعة لمنظمة الأوبيل والدول التي تعمل خارجها:
✓ الدول المنتجة خارج الأوبك: تتصف هذه المجموعة من الدول في الغالب بأنها دول مستهلكة للنفط ومستوردة له وأن من بينها دول تتعارض مصالحها الجوهرية مع مصالح الأوبك لإنتمائها إلى مجموعة الدول الصناعية مثل (المملكة المتحدة البريطانية والنرويج، وهو ما يمثل ضغطا على منظمة الأوبك).
✓ الدول التي تعمل ظمن منظمة الأوبيك opec: أنشأت منظمة الأقطار المصدرة للبترول أوبيك عام 1995، وتضم في عضويتها إثني عشر دولة هي (الجزائر، أنغولا، الأكوادور، إيران، العراق، الكويت، ليبيا، نيجيريا، قطر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة وفنزويلا)، وتهدف هذه المنظمة إلى تنسيق وتوحيد السياسة البترولية للدول الأعضاء وإيجاد الطرق والوسائل لإستقرار الأسعار والدفاع عن مصالح الدول المنتجة للحصول على عائد مستقر من الدخل.
ويصل إنتاج المنظمة إلى 11% من الإنتاج العالمي، في حين يبلغ حجم صادراتها 88% من الصادارت العالمية للنفط، وقد نجحت منظمة الأوبيك في حماية حقوق أعضائها وزيادة مواردهم البترولية، الأمر الذي أوجد لها مكانة عالمية في سوق البترول العالمية، وذلك عن طريق مايلي:
- سيطرت الدول الأعضاء على ثرواتها البترولية بما في ذلك الإنتاج والتسعير.
- تحسين الشروط المالية والقانونية المتعلقة بمعاهدات الإمتياز المبرمة بين دول الأوبك والشركات العالمية للبترول.
- رفع سعر البترول تدريجيا حتى عام 2001، ثم القفز به عاليا وبشكل سريع في فترتين رئيسيتين.
ولكن إدارة الموارد الإقتصادية في الدول النامية ومنها دول الأوبك يغلب عليها المنهج البيروقراطي وتغليب المصالح الفردية على المصلحة الجماعية، ولقد أخدت منظمة الأوبك في وقت من الأوقات سياسة سعرية لم تكن واعية بأثرها على مصالح الدول الصناعية الكبرى وقدرتها على إستعادة السيطرة على سوق البترول العالمية، فكان من السهل للدول الصناعية المستهلكة للبترول أن تستعيد سيطرتها على السوق البترولية العالمية تحت غطاء السوق الحرة وقوى العرض والطلب.
2. من ناحية الدول المستهلكة: وتشمل الشركات البترولية العالمية ومنظمة الطاقة الدولية.
✓ الشركات العالمية للبترول: سيطرت مجموعة من الشركات العالمية الكبرى على الصناعة البترولية إصطلح على تسمستها بالشقيقات السبع، وهي التي تتحكم في جانب كبير من الإنتاج والنقل والتوزيع والتكرير، وهي مملوكة في معضمها للولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى بريطانيا وهولندا، وتملك أكثر من 01% من صناعات التكرير العالمية، وأكثر من 81% من ناقلات البترول في العلم.
وهذه الشركات هي: شركة أكسون (Exxon opérations)، شركة جولف (Gulf oïl)، شركة تكساسو (Texaco oïlcompany)، شركة موبيل أويل (Mobil Oil)، شركة تشيفرون (tchifroun)، شركة شل الهولندية (scell)، وشركة بريتيش بيتروليوم (BP).
✓ منظمة الطاقة الدولية (EIA): أنشأت منظمة الطاقة الدولية عام 2011م، كرد فعل على سيطرة دول الأوبك على سوق النفط بشكل فعال، وتتكون المنظمة من 91 دولة من الدول الصناعية والمستهلكة وتتركز أهم أهداف المنظمة فيما يلي:
- تقليل الإعتماد على الزيت من خلال التقليل من إستخدام البترول وإيجاد بدائل أخرى له وزيادة مستوى البحوث والتطوير في هذا المجال.
- تطوير نظام معلومات عن سوق البترول العالمية، بما في ذلك نظام التشاور مع شركات البترول العالية.
- تجهيز دول المنظمة ضد توقف إمدادات البترول عن طريق توفير إحتياطي لدى الدول المستهلكة للبترول.
- تخفيض حجم الطلب على البترول من دول الأوبك سواء في الأمد القصير أو الطويل وأيضا زيادة جانب العرض عن طريق الإكتشافات البترولية الجديدة.
كما تقوم الدول المستهلكة للبترول بفرض ضرائب بترولية تختلف تبعا للإعتبارات الداعية لفرضها، فالضريبة على البنزين تحقق حصيلة مالية تستخدم في تمويل البنية الأساسية لتمويل الخزينة العامة، وتفرض بمعدلات متفاوتة على منتجات مختلفة للتأثير على سلوك المستهلكين وتشجيعهم على التحول إلى المصادر البديلة للطاقة.
العوامل المؤثرة على السعر النفطي العالمي؟
يعرف سعر النفط على أنه: "قيمة المادة أو السلعة النفطية معبرا عنها بالنقود، حيث أن مقدار ومستوى أسعار النفط يخضع ويتأثر بصورة متباينة لقوى فعل العوامل الإقتصادية، السياسية أو طبيعة السوق السائد سواء في عرضه أو في طلبه أو الإثنين معا"، ومنه فإن سعر النفط هو القيمة النقدية التي تعطى لوحدة واحدة من النفط خلال مدة زمنية معين.
1. أنواع سعر النفط:
هناك عدة أنواع للسعر النفطي يمكن إبراز الأكثرها شيوعا وإستخداما فيما يلي:
✓ السعر المعلن: وهو سعر البرميل المعلن من قبل الشركات النفطية محسوبا بالدولار الأمريكي، وقد إبتدأ العمل بالسعر المعلن منذ عام 2011، عندما أعلنت شركة ستاند أرويل نيوجرسي عن سعر برميلها النفطي، ثم إستمر العمل بهذا النوع من الأسعار داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، والمعروف أن الأسعار الرسمية التي تعلنها الدول النفطية تأتي في إطار السعر الرسمي المعلن.
✓ السعر الحقيقي: وهو السعر الفعلي مخصوم منه الحسومات أو التسهيلات المختلفة الممنوحة من طرف البائع أو المشتري أي تحقيق نسبة معينة من السعر المعلن للبرميل لترغيب أو لتفادي المشاكل الناجمة عن طبيعة بعض القيود والحتميات.
✓ سعر الإشارة أو المعمول به: يمكن أن يأخذ سعر الإشارة إتجاهين هما: إن سعر الإشارة هو السعر الذي يقل عن السعر المعلن ويزيد عن السعر الحقيقي وبذلك يمثل سعر الإشارة النفطية الوسطى بين السعرين، ويمكن التوصل إلى سعر الإشارة عبر إتفاق بين الشركة المنتجة للنفط والدولة المستوردة.
يعني سعر الإشارة أيضا سلة من النفوط المتقاربة في درجات الكثافة أو المتباعدة في الموقع الجغرافي لتشكل مؤشرا أو إشارة لتسعير مجموعة من النفوط حسب قرب أو بعد درجة الكثافة من نفط الإشارة، ونفوط الإشارة عديدة منها (النفط العربي الخفيف ونفط الأوبيك ونفط عرب تكساس ونفط برنت ونفط بحر الشمال).
✓ سعر الكلفة الضريبية: يمثل هذا السعر الكلفة التي تتحملها الشركات بموجب الإتفاقيات النافذة المفعولة للحصول على برميل أو طن من النفط الخام، ويساوي سعر الكلفة الضريبية، كلفة الإنتاج مضافا إليها عائد الحكومة (ضريبة الريع) أو أي مبالغ أخرى تدفعها الشركات للحكومة المعنية.
وتحصل الشركات المستغلة للنفط على النفط المنتج من قبلها في البلدان النفطية كطرف مشتري له ويعكس هذا السعر الكلفة الحقيقية التي تدفعها الشركات النفطية لحصولها على النفط، ويمثل الأساس الذي تتحرك وفقه الأسعار.
كما يعكس هذا السعر الكلفة الحقيقية التي تدفعها الشركات البترولية لحصولها على برميل أو طن من النفط الخام وبنفس الوقت يمثل الأساس الذي تتحرك فوقه الأسعار المتحققة في السوق، فالبيع بأقل من هذا المستوى يعنى البيع بالخسارة، أي أن سعر الكلفة الضريبية يمثل الحد الأدنى لسعر بيع البترول الخام في السوق البترولية.
✓ السعر الفوري أو الآني: يقصد به ثمن البرميل النفطي معبرا عنه بوحدة نقدية واحدة في السوق الحرة أو المفتوحة للنفط الخام، بدأ السعر الفوري بالظهور والنشاط بعد أن أخذت الأسواق الفورية تمثل نسبة مهمة في تجارة النفط الخام الدولية.
والأسواق الفورية تمثل مؤشرا لحركة الأسعار في العالم والأسواق الفورية عديدة منها: سوق روتردام سنغافورة السعر الفوري ليس ثابثا أو مستقرا بسبب إرتباطه بمدى ومقدار الإختلال وعدم التوازن بين ما يعرض ويطلب من السلعة البترولية.
2. العوامل المؤثرة على أسعار النفط:
يعتبر العرض والطلب البترولي من بين أهم العوامل المؤثرة على أسعار النفط العالمية.
1. الطلب النفطي ومحدداته: يقصد بالطلب النفطي "مقدار الحاجة الإنسانية المنعكسة في جانبها الكمي والنوعي على السلعة البترولية كخام أو منتجات بترولية، وذلك عند سعر معين، خلال فترة معينة محددة بهدف إتباع وسد وتلبية تلك الحاجات الإنسانية سواء كانت لأغراض إستهلاكية كالبنزين لتحريك السيارات والنفط الأبيض للإنارة والتدفئة".
وهناك عدد من العناصر التي تتحكم في تحديد الطلب العالمي على البترول يمكن إيجازها في النقاط التالية:
- متوسط دخل الفرد: يؤثر متوسط دخلا الفرد على إستهلاك الطاقة تأثيرا كبيرا، فكلما إرتفع دخل الفرد إرتفع معه حجم إستهلاكه من الطاقة، بحيث أصبح إستهلاك الفرد من الطاقة يعتبر مؤشرا لمستوى المعيشة، ويتضح ذلك من مقارنة أرقام إستهلاك الفرد من الطاقة في الدول الصناعية والنامية.
- السعر: يرتبط الطلب على الطاقة مثل أي سلعة أخرى بعلاقة عكسية مع السعر إلا أن أثر السعر على الطلب يتوقف على عاملين أساسيين هما بدائل الطاقة ومرونة الطلب السعرية، حيث يلاحظ أن هذين العاملين يكون تأثيرهما أكبر في الفترة الطويلة فقط، بمعنى يصعب إحلال بديل لإستخدام البترول كمصدر للطاقة في الفترة القصيرة.
- هيكل الناتج القومي: سبق وأن أفدنا أن الدول الصناعية تستهلك أضعاف ما تستهلكه الدول النامية من الطاقة، ويرجع ذلك أساسا إلى أهمية مركز القطاع الصناعي في هيكل الناتج في هذه الدول مع ما تتميز به من إستهلاك كثيف للطاقة خاصة الصناعات الإنتاجية مقارنة بهيكل إنتاج الدول النامية الذي يتميز عموما بسيطرة القطاعات الأولية مثل الزراعة والصناعات الإستخراجية.
- المناخ: يرتفع إستهلاك الطاقة في الدول التي يزداد فيها البرد في الشتاء والحرارة في الصيف عن المناطق المعتدلة المناخ ويتحدد الطلب على البترول، إضافة إلى العوامل السابقة بمميزات أخرى أهمها أنه طلب مشتق، أي أنه مشتق من الطلب على المنتجات البترولية، بالإضافة إلى ما يتميز به من مواصفات سياسية وأمنية ينفرد بها عن معظم السلع المتداولة في التجارة الدولية، إلى جانب إشتراكه مع بدائل الطاقة الأخرى في أنه طلب بديل بمعنى أنه لا يمكن دراسته مستقلا عن دراسة الطلب على المصادر البديلة للطاقة.
- الوضع السياسي: تكون الإضطرابات السياسية سبب رئيسي في زيادة الطلب على البترول وبالتالي حدوث إضطراب في أسعاره، كإرتفاع الطلب على النفط بعد غزو العراق من قبل القوات الأمريكية، حيث أدى هذا إلى إرتفاع أسعاره.
- المضاربة: وهي وسيلة مالية للربح السريع أو الإحتفاظ بعقوده الآجلة كوسيلة مالية آمنة ضد التقلبات في الوسائط المالية كالأسهم والسندات والعملات، مما يؤدي إلى خلق طلب وهمي يساهم في رفع سقف التوقعات بشأن الأسعار المستقبلية للنفط، فيلجأ المستهلكون لزيادة طلبهم على النفط بغرض التخزين والتحوط من إرتفاع الأسعار مستقبلا.
2. العرض النفطي ومححداته: يعرف العرض النفطي على أنه "عبارة عن الكميات الممكن عرضها وتبادلها في السوق بين الأطراف المتواجدة في السوق (البائعين، المشترين) خلال فترة زمنية محددة ومعلومة"؛ هناك عدد من العناصر التي تتحكم في العرض العالمي على البترول يمكن إيجازها في النقاط التالية:
- الطلب على النفط: يرتبط الطلب على النفط بعلاقة طردية مع العرض النفطي وذلك للحاجة المتزايدة له خاصة في تشغيل الآلات الصناعية والمعدات الحديثة.
- مستوى الأسعار: إن مقدار ومستوى السعر للسلعة الحديثة من العوامل المؤثرة بصورة كبيرة وأساسية على العرض فإرتفاع السعر وتزايده عموما حافز مؤثر على زيادة العرض، وعكس ذلك في حالة إنخفاض السعر.
- أسعار بدائل الطاقة: تلعب أسعار المواد البديلة دورا هاما في العرض البترولي، فإنخفاض الأسعار للمنتجات البديلة يؤدي إلى إنخفاض الطلب على البترول وبالتالي إنخفاض سعره.
- التقدم التكنولوجي: إن تحسين وتطوير معدات ووسائل البحث والتنقيب والإستخراج والنقل والتوزيع يؤدي إلى زيادة عرض النفط الخام وبالتالي توفر قدرة عالية لإحداث التوازن بين العرض والطلب بصورة إقتصادية سليمة وكفاءة.
- الإحتياطات البترولية: تلعب الإحتياطات البترولية دورا كبيرا في التأثير على عرض البترول، فكلما كانت الإحتياطات البترولية المؤكدة كبيرة زاد الإعتقاد أن هناك قدرة على زيادة الإنتاج وبالتالي زيادة العرض البترولي.
3. الأزمات السعرية للنفط:
لقد شهد سوق النفط عدة أزمات مرتبطة بتقلبات أسعار النفط منذ بداية السبعينات إلى غاية 1988، وتتمثل أهم المحطات التاريخية في مايلي:
- الأزمة النفطية عام 1973: لقد أطلق على هذه الأزمة إسم أزمة تصحيح الأسعار البترولية وتقييم برميل البترول بقيمته الحقيقية التي كانت متدنية إلى مستويات قياسية، حيث في سنة 1973 قررت المنظمة زيادة أسعار البترول من جانب واحد لتقفز من 3 دولار للبرميل الواحد في أكتوبر 1973 إلى 12 دولار أي رفع الأسعار بنسبة 40٪.
- الأزمة النفطية عام 1979: إرتفعت أسعار البترول ثانية وبشكل مفاجئ سنة 1979 ثلاث مرات إثر الحرب العراقية الإيرانية (حرب الخليج الأولى) من 13 دولار إلى 32 دولار للبرميل الواحد خلال أشهر قليلة مما أدى إلى انفجار أزمة نفطية ثانية.
- الأزمة النفطية عام 1986: في الأسبوع الأخير من الشهر الأول سنة 1986 إنخفض سعر البترول بشدة إذ وصل سعر بحر الشمال إلى 17.70 دولار للبرميل، وبإقتراب فصل الربيع إنطلقت حرب أسعار شاملة إنخفضت فيها أسعار النفط إلى أقل من 13 دولار للبرميل الواحد.
- الأزمة النفطية عام 1998: في نهاية التسعينات وبالضبط سنة 1998 تعرضت سوق النفط العالمية إلى هزة سعرية أدت إلى إختلال كبير في العرض و الطلب، فتدهورت أسعار البترول إلى أدنى مستوى لها بما يقل عن 81 دولار للبرميل في ديسمبر من نفوجيوسياسية.
- الأزمة النفطية عام 2004: تميزت هذه السنة بإرتفاع متواصل لأسعار النفط حيث وصلت إلى مستويات قياسية لم تشهدها الأسعار الإسمية للنفط من قبل، إذ وصل المعدل السنوي لسعر سلة أوبك إلى 36 دولار للبرميل وهو أعلى معدل سنوي لسلة أوبك منذ بدء العمل بنظام السلة في عام1987 وقد عرفت هذه الفترة بثورة أسعار النفط.
- الأزمة النفطية عام 2008: سجلت أسعار البترول مستويات قياسية منذ سنة 2004 بلغت سقف 11 دولار للبرميل، لكن إعصار الأزمة المالية العالمية كان له أثرا واضحا على سوق النفط فقد تهاوى سعر النفط الجزائري ليبلغ 61 دولار للبرميل سنة 2011، ثم إرتفع مجددا ليصل إلى 80 دولار مما شجع الجزائر على زيادة الإعتماد على العوائد النفطية في تنشيط الإقتصاد الوطني.
- الأزمة النفطية عام 2014: عرفت أسواق النفط العالمية تدهور في أسعار البترول في النصف الثاني من سنة 2014 بعد أن وصلت الأسعار إلى مستويات منخفضة لم تسجلها منذ 5 سنوات، فإشتدت المخاوف من أزمة يرجعها الخبراء إلى تخمة المعروض العالمي من هذه المادة الحيوية إضافة إلى تراجع حصة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تضاءل سلطتها على تحديد الأسعار، مع ظهور منتجات بديلة للنفط وظهور منتجين جدد، والى توازنات إقليمية وجيوسياسية.
كيف تأثير تقلبات أسعار النفط على الإقتصاد العالمي:
من المتوقع أن يكون تأثير إنخفاض أسعار النفط إيجابيا في الإقتصاد العالمي، وإن كان هذا التأثير موسوما بالتباين ما بين الدول المصدرة والدول المستهلكة، وذلك بالتأثير على موازين مدفوعاتها وبالتالي التأثير على التجارة الخارجية.
1. أثر تقلبات أسعار النفط على الدول المصدرة:
يؤدي إرتفاع أسعار النفط إلى حدوث آثار إيجابية على إقتصاديات الدول المصدرة، حيث يؤدي الإرتفاع في السعر إلى زيادة كبيرة في العوائد النفطية وإنعكاس ذلك على تطور مستوى معيشة الفرد، كما عززت من قدرات حكومات هذه الدول على تنفيذ خطط التنمية الإقتصادية.
بالإضافة إلى زيادة حجم الفوائض المالية النفطية، وتوجه الدول المصدرة للنفط هذه فوائض عبر عدة منافد كتقديم معاونات مالية أو قروض للدول النامية، إستثمارات في الدول الصناعية إنشاء مؤسسات متنوعة للتمويل أو إيداعها على شكل ودائع في بنوك الدول الصناعية.
في المقابل فإن تراجع أسعار النفط يحمل آثارا كارثية على الدول المصدرة للنفط، سواء الدول الأعضاء في منظمة الأوبك أو الدول خارج منظمة الأوبك، وبالطبع تختلف حدة آثار هذا التراجع بين مختلف الدول النفطية حسب حالة كل دولة على حدة.
ولا يقتصر هذا الأثر على تراجع معدلات النمو الإقتصادي وإنما يطول أيضا عملات هذه الدول التي تتراجع على نحو واضح مع تراجع أسعار النفط خصوصا بالنسبة للدول التي ليس لديها إحتياطات كافية تمكنها من التدخل على نحو كاف في أسواق النقد الأجنبي للدفاع عن عملتها في مواجهة الطلب المرتفع على العملات الأجنبية في سوق النقد الأجنبي فقط.
أثرت الإنخفاضات المتتالية في أسعار البترول على إقتصاديات الدول النامية المصدرة للبترول حيث أدى إلى إنخفاض العائدات البترولية والفوائض المالية وبالتالي إنخفاض معدل الناتج المحلي الإجمالي في البلدان المصدرة للبترول وتقلص الإنفاق العام في هذه الدول بسبب تراجع الإيرادات البترولية.
ومع ذلك كان من المفترض أن لا ينخفض الإنفاق الحكومي بنفس نسبة إنخفاض الإيرادات العامة، بسبب إرتباط الإيرادات بعوامل خارجية أي العوائد البترولية والسوق العالمي للنفط في حين أن النفقات العامة ترتبط بعوامل داخلية تتمثل في برامج التنمية الإقتصادية وبالضغوط التضخمية في الإقتصاد.
أدى إنخفاض الإنفاق الحكومي إلى ظهور عجز في معظم الموازنات العامة للدول البترولية، حيث أثر هذا العجز على هيكل النفقات في الدول المصدرة للبترول، حيث أن هيكل النفقات الجارية لم يصبه تغير بعد تقلص العائدات البترولية وإنما الذي تغير هو الإنفاق الإستثماري والإنمائي.
في كل البلدان ينخفض الدخل الحقيقي، وكذلك الأرباح في إنتاج النفط وهو ما يحدث بالضبط في حالة البلدان المصدرة للنفط، ولكن درجة الإنخفاض وأثر تراجع سعر النفط على إجمالي الناتج المحلي يتوقف إلى حد كبير على درجة إعتماد هذه البلدان على الصادرات النفطية.
وعلى نسبة الإيرادات التي تحصل عليها الدولة، وهناك تركز كبير في الصادرات النفطية عبر البلدان مقارنة بالواردات النفطية وبعبارة أخرى تعتمد البلدان المصدرة للنفط على النفط أكثر بكثير مما تعتمد عليه البلدان المستوردة.
وفي معظم البلدان يرجح أن يكون عجز المالية العامة هو الأثر التلقائي لإنخفاض سعر النفط، ومن الطرق الممكنة لتوضيح جوانب الضعف في البلدان المصدرة للنفط إحتساب ما يطلق عليه إسم الأسعار المحققة لتعادل المالية العامة أي أسعار النفط التي تتوازن عندها ميزانيات الحكومات في البلدان المصدرة للنفط، وتتفاوت الأسعار التعادلية تفاوتا كبيرا بين البلدان، ولكنها غالبا ما تكون شديدة الإرتفاع وبالنسبة لبلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
وبالنسبة للبلدان التي لا تتوافر لديها بيانات عن أسعارها التعادلية، تعتبر أسعار النفط المقدرة في الموازنة (أي أسعار النفط التي تفترضها البلدان عند إعداد الموازنة العامة) وسيلة أخرى لقياس مدى تعرض البلدان لهبوط أسعار النفط، وبعض البلدان أفضل إستعدادا لإدارة عملية التصحيح مقارنة بما كانت عليه في الحالات السابقة.
وقد إستعد قليل منها بتكوين إحتياطيات وقائية من خلال السياسات، مثل القواعد المالية وصناديق الإدخار، ووضع إطار نقدي أكثر مصداقية، مما ساعد على الفصل بين الأرصدة الداخلية والخارجية كما في حالة النرويج.
ولكن التصحيح في كثير من البلدان سينطوي على تشديد سياسة المالية العامة وتخفيض الناتج وتخفيض سعر الصرف (وهو إجراء أصعب في ظل أنظمة سعر الصرف الثابت المطبقة في كثير من البلدان المصدرة للنفط)، وقد يؤدي تخفيض سعر الصرف إلى إرتفاع التضخم إذا لم تكن التوقعات التضخمية مثبتة بالقدر الكافي.
2. أثر تقلبات أسعار النفط على الدول المستوردة:
إن تأثير إرتفاع أسعار النفط على إقتصاديات الدول الصناعية يعد محدودا مع إختلاف الوضع من دولة إلى أخرى، أما بالنسبة لإقتصاديات الدول النامية المستوردة للنفط فإن التأثير سيكون سلبيا ليس فقط من ناحية إمكانية إنخفاض معدل النمو الإقتصادي وزيادة نسبة التضخم في هذه الدول، بل في ميزان المدفوعات والميزان التجاري.
يتوجب في هذا السياق الإشارة إلى أن نصف الزيادة في الطلب العالمي على النفط خلال العشرين عاما الماضية قد حصلت من إقتصاديات الدول النامية، حيث إرتفع الطلب من هذه الدول من حوالي 11 إلى مليون 81 برميل يوميا، وبنسبة أعلى من زيادة الطلب في الدول الصناعية لنفس الفترة.
كما يجب الإشارة إلى أن أغلب الزيادة في الطلب المستقبلي على البترول يتأتي من الدول النامية وبالذات الدول الآسيوية، ويؤدي إنخفاض الأسعار لكثير من الدول المستوردة زيادة معدل النمو وضعف الضغوط على معدل التضخم والميزان التجاري والميزانية العامة.
وقد تحقق الدول النامية المستوردة للنفط مكاسب ضخمة من إنخفاض أسعار النفط خاصة في حالة إرتفاع معدل النمو الإقتصادي، كما أن إنخفاض أسعار النفط يؤدي إلى إنخفاض قيمة الواردات من البترول وبالتالي تحسين ميزان المدفوعات للدول المستوردة.
هناك ثلاث قنوات رئيسية يؤثر من خلالها إنخفاض سعر النفط على البلدان المستوردة له والقناة الأولى هي أثر زيادة الدخل الحقيقي على الإستهلاك، والثانية هي إنخفاض تكلفة إنتاج السلع تامة الصنع وما يحدثه ذلك من أثر على الربح والإستثمار، أما الأثر الثالث فهو الذي يقع على معدل التضخم، سواء الكلي أو الأساسي.
3. أثر عوائد النفط على التجارة الخارجية وميزان المدفوعات:
تلعب التجارة دورا رئيسيا في حياة الأمم الإقتصادية والإجتماعية بشكل عام والدول النامية بشكل خاص، حيث تعتبر منشطا للنمو والتنمية من خلال تنظيم إستغلال الموارد الإقتصادية، ورغم تزايد أهمية دور التجارة العربية الخارجية مند عقد الخمسينات.
إلا أن التطور مع العالم الخارجي لم يتسارع إلا مع إرتفاع مستوى تصدير النفط العربي خاصة من الدول الخليجية منذ بداية السبعينيات، وقد زاد معدل نمو الصادرات العربية بشكل كبير جدا بسبب إرتفاع في حجم الواردات التي أصبح بالإمكان تمويلها بفضل الفوائض النفطية.
بما أن معظم صادرات الدول العربية بشكل عام والدول المصدرة للنفط بشكل خاص، هي من المواد الأولية والوسيطة والتي تعتمد إعتمادا مباشرا على نمو الإقتصاد العالمي، فإن إرتفاع أسعار النفط يحسن من موازناتها الخارجية ويزيد من إيرادات حكوماتها التي تقوم بدورها بإستعمال هذه الإيرادات للتأثير على النشاطات الإقتصادية المختلفة.
وبالتالي يمكن إستخدام قسم من العائدات النفطية لإستيراد السلع الإستهلاكية والرأسمالية أو تمويل الصناعات لإحلال الواردات أو بناء صناعات موجهة للأسواق الخارجية، وكما لاحظنا فإن الصورة الأساسية التي عكست أوضاع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هي تنامي صادرات النفط خلال السبعينات من 88.1 بليون دولار عام 2001 إلى 981.1 بيليون دولار عام 2011.
وقد توالى الهبوط بعد ذلك ليصل إلى 19.1 بليون دولار عام 2018 وقد إرتفعت الواردات من 91.1 بليون دولار عام 2008 إلى 19.1 بليون دولار عام 2011 و 11 بليون دولار عام 2018، مما يعني أن إنخفاض الصادرات بعد عام 2018م لم يصاحبه إنخفاض مماثل في الواردات مما نتج عنه إنخفاض في حجم الفائض لدى هذه الأقطار.
هناك أسباب كثيرة لهذا النمط في التجارة الخارجية، فحجم الواردات لا تحدد فقط بحجم الإيرادات النفطية، وإنما بعوامل أخرى قد تساهم في تمويل الواردات مثل عائد الإستثمارات الخارجية أو الإقراض من الخارج، كذلك يعتبر معدل الإستيراد من العوامل التي تساهم في تحديد حجم الواردات والذي بدوره يعكس مستوى معيشة وعادات إستهلاك معينين.
وقد تضاعف هذا المعدل في الدول النفطية، ونتيجة لإستخدام جزءا رئيسيا من عائدات النفط في تمويل الواردات فقد تطورت نسبة الواردات إلى الناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول لتصل حوالي 90.1 % في عام 2001؛ ويعكس إرتفاع هذه النسبة درجة إنفتاح هذه الإقتصاديات مما يجعلها عرضة للتقلبات التي تحدث في إقتصاديات الدول الصناعية خاصة وأن هناك تركيزا جغرفيا واضحا في تجارة دول مجلس التعاون الخارجي.
وقد بلغت نسبة التبادل التجاري (الصادرات+الواردات) إلى الناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول %01.8 عام 2018؛ مما يعني إعتماد دول المجلس في تنمية إقتصادياتها على صادراتها وعلى الإستيراد في تلبية واشباع الحاجات الأساسية للسكان.
ورغم الزيادة في الواردات والتي صاحبت الزيادة في عائدات الصادرات والذي إرتفع من حوالي 1.1 بليون دولار عام 2011 إلى 81.1 بليون دولار عام 2016، ومن ثم إلى 19.9 بليون دولار عام 2018، وقد شكل الفائض في الميزان التجاري حوالي 88.8 % من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول غير أن الحساب الجاري قد تميز بوجود عجز مستمر إرتفع من حوالي 81 بلايين دولار عام 2013 إلى 98.1 عام 2017.
إلى أنه تحول إلى فائض بقيمة 1.0 بليون دولار عام 2019، ومن هنا فقد إستطاعت الدول المصدرة للنفط تجميع فوائض مالية ضخمة من عائداتها النفطية نتيجة للفائض في الحساب الجاري وفي ميزان المدفوعات والتي مثلت إحتياطا إستراتيجيا ومصدر تمويل رئيسي للواردات سواء الإستهلاكية أو الرأسمالية منها.
لم تُدرج القضايا النفطية ضمن مفاوضات، إذ لم تتطرق الجولات السبع التي بدأت عام 2008 إلى تجارته، ولم يذكر صراحة في الإتفاقية ولا تحتوي نصوص إتفاقيات منظمة التجارة العالمية ما يقضي بإستبعاد تجارة النفط ومنتجاته من أحكامها لأسباب منها سيطرة الدول الصناعية المستهلكة للنفط على السوق النفطية العالمية، الأهمية الإستراتيجية المتعاضمة للنفط، وسهولة تأمين أسواقه.
الرسوم الجمركية المفروضة على النفط الخام ضئيلة أو معدومة، وذلك لتيسير تدفقه إلى الدول الصناعية، أما الرسوم الجمركية على صادرات المنتجات النفطية لم تكن تشكل أهمية تذكر بالنسبة للبلدان النفطية، لتركيز الشركات العالمية على بناء مصافي التكرير الرئيسة في أسواق الدول المستهلكة.
ولكون الدول مهتمة بالتجارة السلعية، فهي تحكم صادرات النفط دون أن تخاطبها مباشرة، وكانت تجارة النفط ماثلة عند مناقشة إنضمام بعض الدول المنتجة والمصدرة إلى هذه الإتفاقية، وفي وقت لاحق إلى منظمة التجارة العالمية، وأيضا في الحالات التي تم الإحتكام فيها إلى نصوص الإتفاقيات التجارية، ذات الصلة بالخلافات المتعلقة بالنفط.
وبمقتضى الفقرة التاسعة تستطيع الدولة تبني الإجراءات التي تتضمن قيودا على صادرات المواد الأولية المنتجة محليا، والضرورية للصناعات التحويلية المحلية خلال فترات يكون فيها سعر تلك المواد أقل من السعر العالمي.
وبموجب خطة حكومية للإستقرار وبالتالي يحق لأية دولة نفطية صغيرة أو كبيرة التحكم بإنتاجها وفق مصالحها سواء نجم هذا التحكم عن قرارات حكومية إنفرادية أم عن تنسيق جماعي، ويشترط ألا تؤدي هذه القيود إلى زيادة الصادرات، أو عدم إحترام مبادئ عدم التمييز وترتبط إتفاقية التجارة في الخدمات مع قطاع النفط والغاز إرتباطا وثيقا من خلال:
خدمات الإستشارات الإدارية والإقتصادية والفنية وخدمات عمليات التنقيب والإستكشاف، وعمليات النقل الخارجي والداخلي، كما يتأثر قطاع النفط والغاز بإتفاقية حقوق العلامات التجارية وبراءات الإختراع: فيما يخص إعتبارات الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة وحقوق الملكية الفكرية وبالتالي فالنفط بشكل أو بآخر خاضع للمبادئ الرئيسة لمنظمة التجارة العالمية ومجالات إهتمامها.
وإذا بحثنا في سوق الطاقة العالمي، وجدنا أن السياسات التي تتبعها الدول الصناعية، بشأن الضرائب المحلية والرسوم الجمركية والقيود الكمية التي تفرضها على مستورداتها النفطية، بالإضافة إلى الإعانات التي تقدمها إلى الفحم والطاقة النووية، تشكل تشوهات كبيرة في أسواق الطاقة العالمية، وتؤثر في إقتصاديات الدول النفطية.