العوامل المؤثرة في شخصية الإنسان:
1. تعريف الشخصية:
إذا بحثنا عن معنى الشخصية في اللغة العربية نجد كلمة "شخص" مشتقة من فعل "شخٌص" بمعنى تعريف ومعين، أي ما تراه العين وتدركه، ويفهم أيضًا من إستخدامه في اللغة العامية للظهور، ومع ذلك فإن مصطلح "شخصية" مشتق من الكلمة اللاتينية "بيرسونا" والتي تعني "قناع".
يتم تعريف الشخصية على أنها تشبه القناع الذي يرتديه الممثل أثناء أداء الدور، مما يعني أنه يمكننا إختيار ما نعرضه أو نكشفه للآخرين، أي أن هناك بعض الصفات الشخصية (الخاصة) التي تبقى للفرد سبب أو سر آخر.
وهذا النوع من التعريف يدعمه أنصار المدرسة التحليلية، أما بالنسبة لـ المدرسة السلوكية فهي تعتبر أن الشخصية هي نظام معقد من الإستجابات، أي أنه من أجل تحديد خصائص الشخص، فإنه يلاحظ سلوكه في المواقف المختلفة.
أخيرا يرى مؤيدو نظرية الذات والسمات أن: "الشخصية هي الآليات الداخلية التي تتحكم في السلوك وطبيعة هذه الآليات تحدد شخصية الفرد".
في هذا السياق أشار إلى تعريف البورت: "الشخصية هي التنظيم الديناميكي داخل الفرد لتلك الأجهزة النفسية والفيزيائية التي تحدد شخصيته الخاصة في توافقه مع بيئته".
يعرف جيلفورد الشخصية على النحو التالي: "شخصية الفرد هي ذلك النموذج الفريد الذي تتكون منه سماته"، ويذكر أنه أسس تعريفه لهذا على إفتراض يتفق عليه الجميع "كل شخصية فريدة" يركز هذا التعريف أيضًا على الفروق الفردية ومفهوم السمة.
يلخص العلماء المعاصرون تعريفهم للشخصية الطبيعية بقولهم: "هو الشخص الذي يستطيع أن يعيش دون أن يتسبب سلوكه في بؤسه أو بؤس الآخرين".
على الرغم من تعدد التعريفات وإختلاف وجهات النظر حول تعريف الشخصية إلا أنهم يتفقون مع بعضهم البعض في حقيقة أن الشخصية هي "أسلوب ونمط سلوك ثابت نسبيا".
تعريف الدكتور عبد الرحمن محمد السيد: "هو التفاعل المتكامل للخصائص الجسدية والعقلية والإجتماعية التي تميز الإنسان وتجعله نمطا فريدا في سلوكه ومكوناته النفسية".
قد تكون هذه الخصائص ملموسة وواعية والتي يختبرها الفرد ويدركها، مثل مظاهر سلوكه الخارجي أو قد تكون غير واعية مثل الذكريات والأحلام، حيث يختلف علماء النفس حول خصوصية أو عمومية هذه الخصائص.
2. أهمية دراسة الشخصية:
تنبع أهمية دراسة الشخصية من الإعتبارات التالية:
- إهتمام الفلاسفة وخاصة اليونانيين، لذلك إعتبر سقراط أن الوظيفة الأساسية للإنسان هي معرفة نفسه.
- كان للعرب مساهماتهم في مجال دراسة الشخصية وتنميتها، حيث قاموا بحركة إنسانية في التعامل مع الشخصية الشاذة.
- كما يتضح القلق من حقيقة أن الإنسان إذا فهم نفسه يمكنه التحكم فيه والسيطرة عليه وتوجيهه في إتجاه سليم ومناسب.
- أثار موضوع الشخصية العديد من علماء النفس: فرويد، ألبورت، جولدشتاين، أدلر، يونج، ماسلو...إلخ.
- أدى الإهتمام بالشخصية إلى جعلها مادة مستقلة في الدراسات النفسية، وتذهب ألبورت إلى حقيقة أن علم النفس ليس سوى نظرية شخصية.
قضية الشخصية تدخل في معظم مجالات علم النفس أو فروعها. يتعامل علم النفس التربوي مع الشخصية في نموها وتغيرها، وفي تفاعلها مع المجتمع يتعامل معها علم النفس الإجتماعي، وفي توافقها وإضطراباتها يتعامل معها علم النفس الإكلينيكي، بينما الشخصية في إنتاجها يتعامل مع علم النفس الصناعي.
3. العوامل المؤثرة في الشخصية:
هناك العديد من العوامل التي تؤثر على شخصية الفرد، سواء كانت داخلية أو خارجية، فهي تؤثر إما إيجابا أو سلبًا على شخصيته وسلوكه كفرد، وبالتالي فإن أهم هذه العوامل هي:
1.3 العوامل البيولوجية:
يشمل كل شيء في جسم الإنسان من الغدد الصماء وجهازه العصبي، حيث يؤدي التوازن في إفرازات الغدد الصماء إلى جعل الشخص سليمًا وسلوكه المناسب، ولكن إذا حدث العكس فسيؤدي ذلك إلى إضطراب في إفرازات الغدد الصماء.
شخصية الفرد هكذا قال ريبو (1839-1916): "نحن نعيش تحت رحمة غددنا الصماء وإذا حدث إضطراب في إفرازها في الجسد، فإن الرجل الحكيم يصبح غبيا والمرأة الفاضلة شيطانا".
مثال: قلة إفرازات الغدة النخامية المعروفة بإسم "سيدة الغدد" بسبب تأثيرها القوي وهيمنتها على باقي الغدد (الموجودة في عمق قاعدة الدماغ) يؤدي إلى تأخير في النمو أو التقزم، فهذا سيؤثر سلبا على شخصية الفرد بسبب إحساسه بقلة النمو مقارنة بأقرانه.
يؤدي ضعف إفراز الغدة الدرقية (الموجودة في قاعدة العنق، أسفل الحنجرة مباشرة) إلى إختلال في الوظائف النفسية والعقلية حيث يصبح الفرد شاردا ونسيا وضعيف التركيز.
أما الغدة الصعترية فأي إضطراب فيها يؤثر على عملية الهدم والبناء وإمداد الجسم بالمضادات الحيوية، فيما يتعلق بالجهاز العصبي، فإن أي خلل قد يصيبه يؤثر على قدرة الإنسان على التعلم وبالتالي يزعج شخصيته.
كما أن النمو والتكوين الجسدي يساعدان في نجاح الفرد، فالجسم السليم مثل الرياضي على سبيل المثال يساعد في نجاحه، في حين أن العجز في النمو الجسدي أو التشوهات قد يؤدي إلى الإنطواء وفقدان الثقة.
2.3 المحددات الجينية (العوامل):
يطبق مصطلح الوراثة عموما على إنتقال السمات من الوالد إلى النسل، ويتم تطبيقه بشكل خاص على الميول الجسدية والعقلية والعاطفية والأخلاقية التي تدخل في الفرد.
تماشيا مع هذا التعريف للوراثة يعتبر علماء النفس أن البشر كائن بيولوجي فريد، تنتقل الصفات الجينية من الأجداد إلى الأحفاد بموجب قانون الميراث، حيث يرث الأطفال الخصائص الجسدية (لون البشرة، والطول، والقصر، وملامح الوجه).
يعتقد أنصار الوراثة أننا لا نرث الخصائص الجسدية فحسب، بل الخصائص العقلية والإجتماعية والعاطفية والأخلاقية، أكدت دراسات داروين وفرانسيس جالتون دورا رئيسيا في الكشف عن تأثير العوامل الوراثية على السلوك، وأعقب ذلك تجارب على التوائم المتماثلة والأخوية وشجرة العائلة.
3.3 العوامل الإجتماعية والثقافية:
الإختلاف في الوسط الجغرافي والثقافي هو ما يولد الإختلاف بين الأفراد، الشخصية في نظر علماء الإجتماع هي ظاهرة طبيعية تخضع في تطورها لنفس القوانين التي تخضع لها الكائنات الحية.
لا يولد الطفل بشخصية جاهزة بل يكتسبها تدريجيا من محيطه الإجتماعي والجغرافي، هذا ما نجده واضحا في مقولة جون لوك: "يولد الطفل صفحة بيضاء يكتب عليها المجتمع ما يريد".
أجريت تجارب حديثة تبين أهمية البيئة الإجتماعية والطبيعية في تشكيل شخصية الأفراد، حيث نذكر تجربة التوأمين الحقيقيين اللذين وضعا في بيئة مختلفة فور ولادتهما، لاحظ العلماء أنهم ظلوا متشابهين في السنوات الخمس الأولى ثم ظهر تأثير البيئة الإجتماعية عليهم من خلال التعليم، التربية والأخلاق والدين.
4.3 عامل التعلم:
إذا كان تأثير علم الوراثة في الشخصية يمثل الجانب الفطري، فإن تأثير التعلم يمثل الجانب التجريبي فيه، حيث إنها عملية ضرورية لنمو الشخصية، ويقول واتسون بإبراز دور التعليم وفعاليته في تكوين الشخصية: "لدي إثنا عشر طفلا معا، أقوم بتدريب أحدهم وجعله طبيبا وأقوم بتدريب آخر واجعله مهندسًا وأقوم بتدريب ثالث، ثم إجعله محامًا، وأقوم بتدريب رابع وأجعله لصًا جنائيًا وذلك بغض النظر عن الإستعدادات التي قام بها منذ الولادة.
عامل التعلم يقود الفرد إلى تعلم المعاني والرموز ويساعده على إكتساب خبرات جديدة، كما أنه يمثل النشاط العقلي للفرد، بالإضافة إلى عامل آخر وهو النضج الذي يؤثر على تكوين الشخصية بالتعلم؛ مثال: لا يستطيع الطفل الكلام إلا إذا تعلم الكلمات والرموز والمعاني وذلك من خلال عملية التعلم.
5.3 عامل الأسرة:
تؤدي العلاقة السليمة بين الطفل وأسرته، الوالدين والإخوة إلى تكوين شخصية صحية في المستقبل، وتؤكد نظريات Adler وHorney و Erickson أيضا على أهمية علاقة الطفل الأولى مع والديه والأشخاص المرتبطين بهم في تشكيل خصائص الكبار في المستقبل.
كما أن إتباع الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء سيؤدي حتما إلى إضطراب في شخصية الطفل وقلة نموه السليم؛ كل هذه العوامل بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل (البيئة المدرسية، وتأثير مجموعة الرفاق، والتعليم الديني...إلخ)، كل هذه العوامل تتفاعل مع بعضها البعض وتؤثر على شخصية وسلوك الفرد.