الحوادث المهنية:
1. مفهوم الحادث المهني:
یعرف الحادث المهني بأنه: "كل ما یحدث دون أن یکون متوقع الحدوث، ینجم عنه ضرر یصیب الفرد أو الآخرین"؛ كما یعرف بأنه "حدث غیر متوقع وغیر مخططا له، یقع أثناء العمل أو خلال الذهاب إلیه أو بسببه"، أو هو "كل خطأ مصحوب بعواقب وخیمة".
الحادث هو: "إصابة یتعرض لها العامل، وما یترتب على ذلك من خسائر مادیة ومعنویة للعامل والمؤسسة"، والإصابة حسب موسوعة الطب والصحة والأمن هي: "حادث غیر متوقع، قد یؤدي إلى ضرر".
إضافة للتعریفات السابقة، تطرق المشرع الجزائري إلى الحوادث المهنیة في نصوص قانونیة متعددة، أهمها القانون رقم 13/83 المؤرخ في 2 جویلیة 1983م، المتعلق بالحوادث والأمراض المهنیة، وقد ورد مفهوم الحادث في هذا القانون كما یلي:
- حسب المادة (06): یعتبر كحادث عمل كل حادث إنجرت عنه إصابة بدنیة ناتجة عن سبب مفاجئ وخارجي وطرأ في إطار علاقة العمل.
- حسب المادة (07): یعتبر حادث عمل كل حادث طرأ أثناء القیام خارج المؤسسة بمهمة ذات طابع إستثنائي، أو دائم طبقا لتعلیمات صاحب العمل.
- حسب المادة (12): یكون في حكم حادث العمل، الحادث الذي یطرأ أثناء المسافة التي یقطعها المؤمن للذهاب إلى عمله أو الإیاب منه، وذلك أیاً كانت وسیلة النقل المستعملة، شریطة ألا یكون المسار قد إنقطع أو انحرف، إلا إذا كان بحكم الإستعجال أو الضرورة أو ظرف عارض أو لأسباب قاهرة.
مما سبق یمکن تعریف الحادث المهني بأنه كل حادث غیر متوقع یقع أثناء العمل أو بسببه أو عند الذهاب والإیاب منه نتیجة عوامل مادیة أو بشریة والذي یلحق أضرارا بعناصر العملیة الإنتاجیة.
2. شروط الحادث المهني:
إشترط المشرع عدة شروط حتى تعطى الصفة المهنیة للحادث ومن هذه الشروط نجد:
- جسمانیة الفعل الضار: یظهر من تشریع الضمان الإجتماعي أن الإصابات البدنیة هي الإصابات الوحیدة التي تدخل ضمن حوادث العمل، بشرط أن یكون السبب الذي أدى إلیها مفاجئ وخارجي، وبناء على ذلك فلا یعتبر حادث عمل ما یصیب العامل من تلف بملابسه أو بماله أو ما یصیبه من ضرر في سمعته...، ویؤخذ الضرر الجسماني في هذا الشأن بمعناه الواسع حیث تمتد الحمایة التأمینیة لتشتمل كل مساس بجسم العامل المصاب سواء كان هذا مساس عمیقا، أو سطحیا عضویا أو نفسیا.
- شرط المفاجأة: یقصد به أن تكون الواقعة المسببة للحادث غیر متوقعة، قد تمت في فترة زمنیة محددة بصورة مفاجأة، ولیس تدریجیة، كما أنه إذا لم یمكن تحدید متى بدأت الواقعة ومتى إنتهت فلا تعتبر حادثا...، ویعتبر المعیار الزمني أمرا ضروریا في عنصر المفاجأة، ومفاد هذا الشرط، أن تكون بدایة ونهایة الفعل الضار في فترة وجیزة، أي أنه لا یستغرق وقوعه سوى فترة زمنیة قصیرة.
- السبب الخارجي للحادث: یكون الضرر ولید تأثیر خارجي بغض النظر عن طبیعة المؤثر (الحرارة، الكهرباء...)، أو أن یكون جهد بذله العامل تنفیذ إلتزاماته المهنیة، والأصل الخارجي في الحادث، قد یكون مادیا، وقد یكون معنویا، ومثال ذلك الوفاة نتیجة الخوف من رؤیة الحریق یعتبر حادثا رغم عدم إصابة العامل بالإختناق.
- الصفة المهنیة للحادث: لا یكفي لاعتبار الحادث حادث مهني أن تتوافر الشروط السابقة الذكر، ویشترط لإعتبار الحادث حادث عمل شرطان، أن یقع الحادث أثناء تأدیة العمل، أو أن یقع بسبب العمل الذي یؤدیه.
3. تصنیف الحوادث المهنیة:
تم تصنيف الحوادث المهنية حسب مجموعة من العوامل والمتمثلة فيما يلي:
1. حسب المسببات:
- حوادث نتیجة أسباب إنسانیة: والتي یکون العامل الإنساني سببا مباشرا في وقوعها، كنقص التدریب وإهمال تعلیمات الوقایة.
- حوادث نتیجة أسباب تقنیة: ترتبط بجوانب تقنیة مثل طبیعة الآلات، نوعیة المواد، عدم كفاءة أعمال الصیانة.
- حوادث نتیجة أسباب بیئیة: وهي المتعلقة بظروف العمل كالإضاءة، الحرارة، الضوضاء، ساعات العمل ...الخ.
2. حسب الأثر الناتج:
- حوادث تضر بإستمراریة العمل: وتنقسم إلى حوادث تؤدي إلى توقف العمل، وحوادث لا تؤدي إلى توقف العمل.
- حوادث تضر بالعمال: الإصابة یمکن أن تکون ممیتة تؤدي للوفاة، أو عجز جزئي ینتج عنه فقدان أحد الأعضاء كالرجل أو الید.
- حوادث تضر بالعناصر التقنیة: تنقسم لحوادث تلحق ضرر بالمنشأة، الآلات والمعدات، حوادث تلحق ضرر بالمواد والمنتجات.
- حوادث تضر بالبیئة: الداخلیة أو الخارجیة، فمخلفات الحرائق والإنفجارات الناتجة عن حوادث العمل، لها أثر على الجوار وعلى البیئة العامة.
- حوادث یمکن تجنبها: وهي التي تتعلق بالوقایة والوعي لدى العمال، ویمكن تجنبها بالتخطیط ووضع برامج الصحة والأمن.
- حوادث لا یمکن تجنبها: وهي الحوادث الخارجة عن سیطرة العامل (قدراته الجسمیة والعقلیة)، والتنظیمیة ودرجة التوعیة.
- حوادث یترتب عنها ضرر: وهي التي تخلف أضرارا قد تلحق بالعامل أو وسائل الإنتاج، وبالتالي تخلف خسارة للمؤسسة.
- حوادث لا یترتب عنها ضرر: وهي التي لا تخلف أضرار بشریة ولا مادیة، ما عدا ضیاع للوقت أو تعطل في الإنتاج.
5. تصنیفات أخرى:
- حسب مکان الإصابة: الرقبة، الید، ...الخ.
- حسب طبیعة الضرر: كسور، إلتواء، ...الخ.
- حسب مهنة المصاب: عامل یدوي، إداري، ...الخ.
- حسب زمن وقوع الحادث: الساعة، الیوم، الشهر، ...الخ.
- حسب مکان وقوع الحادث: الإدارة، الورشات، ...الخ.
5. النظريات المفسرة للحوادث المهنية:
سوف نتطرق إلى مجموعة من النظريات التي تفسر الحوادث المهنية وتشمل ما يلي:
- نظریة الإستهداف للحوادث: تعد هذه النظریة من أقدم النظریات التي فسرت الحوادث وأكثرها شیوعا، فهي تفترض وجود صفات وراثیة شخصیة، بدنیة، نفسیة وعقلیة، كقلة الذكاء، الحالة الإنفعالیة لدى بعض العمال تجعلهم أكثر عرضة للحوادث، فهم یرتکبون الحوادث بصفة متکررة أكثر من الآخرین الذین یعملون في نفس الظروف، إذ یطلق على هؤلاء مستهدفي الحوادث.
- نظریة الحریة والأهداف والیقظة: طبقا لهذه النظریة یعد الحادث نتاج السلوك السیئ الذي یحدث في بیئة غیر ملائمة، حیث لا یشعر الفرد بالتحفیز والرضا والعدالة، فکلما كان مناخ العمل ملائم كلما كان سلوكه خالیاً من الحوادث، لأن مثل هذه الفرص تؤدي إلى تکوین عادة الیقظة والإنتباه.
- نظریة الضغط والتوتر: ترى هذه النظریة أن هناك ضغوط تفرض على الفرد إما من بیئته الداخلیة (سمات الشخصیة، المرض...)، أو من البیئة الخارجیة (الإضاءة، الضوضاء، عبء العمل...)، وحسب هذه النظریة فإن العمال الذین یقعون تحت ظروف الضغط والتوتر یکونون أكثر عرضة للحوادث بوضع هذه النظریة انطلاقا من أن هناك مجموعة من الحوادث المتتالیة.
- النظریة الطبیة: ترى هذه النظریة أن الأشخاص الذین یمیلون إلى الوقوع في الحوادث غالبا ما یعانون من أمراض جسمیة أو عصبیة، وأن الشخص دائم الإصابة إما یعاني خللا جسدیا أو عصبیا وأن هذه الأمراض هي التي تؤدي به للوقوع في الحوادث.
- النظریة الإجتماعیة: ترى هذه النظریة أن الحالة الإجتماعیة الصعبة للفرد كمشكل السكن، بتفاعلها مع ظروف العمل السیئة من شانها أن تجعل العامل أسیر الإنفعالات والإضطرابات وبالتالي الوقوع في الحوادث.
- نظریة الصدفة: إن الحوادث وفقا لهذه النظریة ترجع لعامل الصدفة، وهذا یعني أن جمیع العمال لدیهم إستعداد للوقوع في الحوادث، وأنه لا توجد أیة عوامل شخصیة تمیز إستعداده للوقوع في الحوادث.
- نظریة علم النفس التجریبي: ذهبت دراسات علم النفس التجریبي إلى أن للحوادث أسباب مادیة یمكن ملاحظتها وقیاسها، فالإختلالات البصریة أو السمعیة للعامل یمكن أن تؤدي إلى الوقوع في الحوادث، كما أن زیادة الإضاءة أو الضوضاء، أو خلل الآلة أو صغر سن العامل وغیرها من المتغیرات التجریبیة یمكن أن تؤدي للحوادث، وهي متغیرات یمكن ملاحظتها وقیاسها والتحكم فیها.
- النظریة القدریة: ترى هذه النظریة أن الناس یقعون على طرفي خط أحدهما عند طرف السعادة والآخر عند طرف التعاسة، فالسعید لدیه حصانة ضد الحوادث والتعیس هو الأقرب للتورط في الحوادث، فالواقع في الحوادث وعدم الوقوع فیها شيء یرجع إلى القدر.
- النظریة الوظیفیة: تتسم هذه النظریة بالشمول والتکامل في تفسیرها للحوادث، یمکن إرجاعها إلى مجموعة من العوامل المادیة والإنسانیة، وتوصلت إحدى الدراسات التي قام بها "مجلس الأمن القومي" بالولایات المتحدة الأمریکیة إلى ما یلي: %18 من الحوادث ترجع إلى ظروف تقنیة غیر آمنة، %19 من الحوادث ترجع إلى عوامل إنسانیة غیر آمنة، %63 من الحوادث ترجع إلى خلیط من العوامل التقنیة والإنسانیة غیر الآمنة.
6. أسباب الحادث المهني:
وتنقسم إلى أسباب إنسانية وأسباب مادية تتمثل فيما يلي:1.6 الأسباب الإنسانیة:
- سوء الإختیار المهني: إن ملاءمة الفرد للوظیفة یرتبط بمدى توفر الصفات الجسمیة، العقلیة والنفسیة التي تمكنه من التكیف مع ظروف العمل، وعلیه فإن غیابها یزید من إحتمال وقوعه في الحوادث.
- نقص التكوین: إن جهل الفرد بطرق وأسالیب العمل أو النقص في التدریب من شأنه أن یؤدي إلى بروز مواقف وسلوكات غیر مأمونة تكون سببا في الحوادث.
- إهمال قواعد الأمن: یتطلب العمل ضرورة الإلتزام والتطبیق لجمیع قواعد وتعلیمات الصحة والأمن، لذا فإن عدم إحترامها من طرف العمال یجعلهم عرضة للحوادث.
- ضعف الرقابة والتفتیش: إن أي تعلیمات تصدر عن المؤسسة، لن یکون لها أي تأثیر ما لم یوجد جهاز یتولى الإشراف والمتابعة، لذا فإن نقص التوجیه والإشراف، وعدم التفتیش عن مواقع الخطر، وعدم إشراك العمال في أعمال الوقایة، عدم وجود نظام للكشف عن العمال الجدد من حیث لیاقتهم البدنیة، النفسیة والعقلیة وغیرها من المظاهر التي قد تشکل خطرا على المؤسسة.
- تصرفات العمال: یرى العدید من المختصین أن المسؤول الأول عن الحوادث هو العامل نفسه، فهناك ممیزات نفسیة وجسمیة تجعل من بعض الأفراد أكثر عرضة للحوادث من غیرهم، حیث یلعب السلوك غیر السوي لبعض العمال، دورا في وقوع حوادث العمل مثل الحالة الإنفعالیة للفرد وزیادة الضغط النفسي.
- الإجهاد والتعب: إن الإجهاد البدني یؤدي بالفرد إلى عدم القدرة على أداء العمل، مما یفقده التركیز، ویجعله عرضة للحوادث، وذلك بسبب ظروف العمل السیئة، مثل كثرة الأعمال الموكلة للفرد، قلة فترات الراحة وغیرها.
- الإدمان والمخدرات: هناك ظواهر سلبیة أخرى بدأت تأخذ جانبا من إهتمام المختصین، كالإدمان على الخمر والمخدرات وهي ظاهرة عصریة خطیرة تنتشر في أوساط العمال، خصوصا في المستویات الدنیا والوسطى بسبب المشاكل النفسیة والأسریة والإجتماعیة والإقتصادیة التي یعانون منها، ولأن الإدمان یقلل من تركیز العامل، ویؤدي إلى إختلال الشعور بالزمن والمسافة والرغبة في النوم، فإن هذه العوامل من شأنها أن تجعل العامل أسیر الوقوع في الحوادث.
2.6 الأسباب المادیة:
تتمثل في ظروف العمل المادیة التي یمکن أن تتسبب في وقوع الحادث، ومن أهمها ما یلي:
- الحرارة: إن إرتفاع درجة الحرارة على المستوى المطلوب من شأنه تعریض العامل للحادث، فالأجواء الحارة قد تسبب تعبا وإرهاقا للعامل حیث یقل تركیزه، وبالتالي یصبح عرضة للحوادث والإصابات.
- الإضاءة: إن ضعف الإضاءة وسوء توزیعها یسبب إجهاد للعین، ویقلل من قدرة الفرد على التمییز في حركة الآلات والمعدات، وبالتالي یکون عرضة للحادث.
- الضوضاء: مما لا شك فیه أن الضوضاء لها تأثیر كبیر على الفرد، وخاصة الأعمال التي تعتمد على الجهد الذهني، إذ تؤدي الأصوات المرتفعة إلى عدم القدرة على التركیز والإجهاد العصبي، كما قد تحول دون سماع عوامل التنبیه من الخطر.
- التهویة: یقصد بها تغییر وتجدید الهواء أثناء العمل، وهذا من شأنه إزالة الروائح وخفض درجة الحرارة، فسوء التهویة یصاحبه الخمول والتعب والذي قد یؤدي إلى الإستجابات الناقصة وإصدار السلوك الغیر آمن.
- التصمیم الداخلي غیر الصحي: یسبب سوء التصمیم الداخلي للبناء أخطار متنوعة على العمال، مثل ضیق المساحات والممرات، الأرضیة غیر المناسبة التي تؤدي لأخطار الإنزلاق، عدم وجود منافذ النجدة وسلالم الهروب، سوء توزیع التجهیزات.
- نوعیة المواد المستعملة: إن المواد المستعملة في العمل قد تكون سببا في الحوادث، وذلك بسبب طبیعتها الخطرة أو سوء التغلیف أو عدم إحترام شروط تخزینها.