1. تعريف الوظيفة المالية:
هناك عدة تعاريف للوظيفة المالية، تعتبر كلها مكملة لبعضها البعض وتتفق عموما، فيما بينها على أن هذه الوظيفة هي عبارة عن مجموعة المهام أو الأنشطة التي تقوم بها عدد من المصالح أو (الأقسام)، وتهدف إلى إدارة التدفقات المالية والبحث عن الموارد المالية الضرورية والإستخدام الأمثل لها في المؤسسة الإقتصادية.
وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الوظيفة المالية تشمل مجموعة المهام التي يتولاها المسييرون الإداريون على مستوى الإدارة المالية، أبتداء من وضع خطط للتمويل إلى الحصول على الموارد المالية بالأحجام اللازمة وبأقل التكاليف الممكنة، ثم إستخدام هذه الموارد المالية بأمثل الطرق التي تسمح بتحقيق أهداف المؤسسة.
كما يمكن القول أنها مجموعة المهام والأنشطة التي تقوم بها مجموعة من المصالح والأقسام في المؤسسة، تهدف إلى إدارة التدفقات المالية والبحث عن الموارد المالية الضرورية والإستخدام الأمثل لها؛ هذا وواكبت تعاريف الوظيفة المالية، التطور الفكري في مجال الإدارة المالية، إذ كانت تعرف قبل الخمسينات (الفكر التقليدي) بأنها الوظيفة التي تعنى بتدبير الأموال اللازمة لمنشآت الأعمال.
أما بعد الخمسينات بدأت الوظيفة المالية تأخذ مفهوما أكثر شمولا، فلم تعد تلك الوظيفة قاصرة على الخطوات الإجرائية لتدبير الإحتياجات المالية اللازمة للمؤسسات، بل أصبحت تمتد لتشمل القرارت بشأن نوعية الأموال المطلوب تدبيرها، والقرارت التي تحدد المدى الذي ستذهب إليه المؤسسة إلى الإعتماد على القروض لتمويل أصولها، وتلك التي تحدد مدى الإعتماد على كل من مصادر التمويل طويل الأجل ومصادر التمويل قصير الأجل.
فتوسع مفهوم الوظيفة المالية ولم يعد يقتصر على إتخاد القرارات الإستثمارية، التمويلية، قرارات توزيع الأرباح، بل تعدى ذلك إلى إدخال وضيفتين ضروريتين إلى حقل الوظيفة المالية ممثلتان في التخطيط والرقابة المالية، هذا بالإضافة إلى كون الوظيفة المالية أصبح من صميمها إتخاد قرارات تكتيكية وإستراتيجية هذا يعكس مشاركة المدير المالي في عضوية مجلس الإدارة والإدارة العليا.
2. تطور الإدارة المالية:
تميزت العقود الأخيرة بإزدياد التحديات أمام المؤسسة، إذ أصبح لزاما على هذه الأخيرة العمل في ظل الكثير من المخاطر التي أفرزتها بيئة الأعمال المتسمة بحركية غير مسبوقة، ولدت الكثير من حالات عدم التأكد، إذ أصبح الإزدهار الإقتصادي لأي مجتمع مقرون بقدرة المؤسسات على مواجهة المتطلبات المتزايدة للمجتمعات، كما أن بقاء المؤسسة في حد ذاته أضحى مهددا بفعل عوامل عديدة تتمثل في زيادة المنافسة والتدخل الحكومي في عملها وإحاطتها بمجموعة من القوانين والموجبات، إضافة إلى زيادة المسؤولية الإجتماعية للمؤسسة في ظل ما يعرف بالتنمية المستدامة.
ولم تبقى الإدارة المالية في المؤسسة بعيدة عن هذه التطورات بل واكبتها وسايرتها بغية تقديم قيمة إضافية للمؤسسة، ففي بداية القرن كانت مهمة الإدارة المالية تتمثل في القيام بالخطوات الإجرائية لتدبير الأموال، ولتمويل إحتياجات التوسع والنمو، وفي العشرينات تركز إهتمام الإدارة المالية على إختيار أحسن مصادر التمويل بالنسبة للمؤسسة، لتأتي بعد ذلك أزمة الكساد العظيم وتقلب مفاهيم الإدارة المالية حيث وقع على عاتق هذه الأخيرة مهام معالجة المشاكل المالية لأزمة الكساد المتمثلة في الإفلاس وإعادة التنظيم.
وفي بداية الأربعينات ظهر ما يعرف بالتحليل المالي لكن بصورة وصفية من وجهة نظر خارجية للمؤسسة، لكن وبعد الثورة التي أحدثها رواد الإدارة المالية مثل هاري ماركو، ثروفرنكو، مد كلياني وميرثون ميلر، بدأت الإدارة المالية في التخلي عن الموضوعات الوصفية والإتجاه نحو الأساليب الكمية في الإدارة المالية.
وبعد أن نجحت جهود بناء نماذج رياضية كمية، والتي ساعدت في إعطاء حلول صحيحة ودقيقة لكثير من المشاكل المالية المعقدة على ضوء نظرية إتخاد القرارات، فقد تواصلت الجهود من أجل الوصول بالإدارة المالية إلي نظرية كاملة وشاملة لاسيما بعد ظهور التحديات التي أفرزتها عولمة التوريق وتصاعد الأسواق المالية وإزالة الحواجز بينها وزيادة وتيرة وحجم أسواق المشتقات، مما أدى إلى ظهور مفاهيم الهندسة المالية وإعادة الهندسة المالية ومفهوم في القيمة الإقتصادية المضافة والقيمة السوقية المضافة.
3. وظيفة الإدارة المالية في المؤسسة الإقتصادية:
تتولى الإدارة المالية مسؤولية تسيير الوظيفة المالية التي تعتبر من أهم الوظائف في المؤسسة الإقتصادية:
• التخطيط المالي: يعتبر وظيفة التخطيط من المهام الرئيسية للإدارة (وهو بدايتها تحديدا) في كل الوظائف، بدون إستثناء في المؤسسات الإقتصادية، والتخطيط المالي هو نوع من أنواع التخطيط الذي يخص الموارد المالية، بحيث يساعد على الإعداد للمستقبل ويسمح بمعرفة إحتياجات المؤسسة من الأموال اللازمة لتنفيذ كل عملياتها التشغيلية (عمليات الإستغلال) وكل عملياتها التوسيعية (عمليات الإستثمار).
ويتم ذلك من خلال إعداد الخطط مثل (الموازنات التقديرية) القصيرة وطويلة الآجال، بحيث يجب في هذا الإطار على الإدارة المالية أن تأخذ بعين الإعتبار صعوبة التنبؤ بالمستقبل، وأن تقوم خططها على مفهوم عدم التأكد، وبالتالي يجب أن تتمتّع هذه الخطط بالمرونة الكافية لمواجهة الظروف غير المتوقعة.
• الرقابة المالية: تقوم الرقابة على أساس تقييم الأداء من خلال قياس المحقق منه ومقارنته بالخطط الموضوعة (التي تتضمن الأداء المخطط)، وذلك بغرض إكتشاف الإنحرافات بين المحقق والمخطط ومعرفة الصعوبات والعوائق التي تعترض تطبيق الخطط بفعالية، ومن ثمة العمل على تصحيح أخطاء الأداء والتأكد من تنفيذه على أكمل وجه وعدم تكرار نفس الأخطاء في المستقبل.
• تنظيم الوظيفة المالية: يبين التخطيط المالي كل التدفقات النقدية الداخلة والخارجة التي من المتوقع أن تمس خزينة المؤسسة خلال الفترة التي تغطيها الخطة، كما يبين مقدار الأموال التي تحتاجها المؤسسة ومواعيد الحاجة الى هذه الأموال، ومن أجل تغطية هذه الحاجات فإن الإدارة المالية تهتم بكيفية تدبير الأموال اللازمة والحصول عليها آخذة في العتبار مصادرها المختلفة وتكاليفها ومخاطرها، وكذا البدائل التمويلية المتاحة، وتحاول أن تجمع الأموال بأمثل الشروط الممكنة.
• إستثمار الأموال: بعد قيام الإدارة المالية بإعداد الخطط المالية والحصول على الأموال اللازمة، عليها أن تتأكد أن هذه الأموال تستخدم بحكمة وبالطريقة المثلى، لأنها تكون عادة محدودة في حين أن الحاجة إليها تكون دائما متزايدة، كما يجب على الإدارة المالية أن تتأكد أن إستخدام هذه الأموال يؤدي إلى تحقيق أكبر عائد ممكن في ظل المخاطر المحيطة بها، وتعتمد الإدارة المالية في عمليات الإستثمار على إستخدام المعايير الإستثمارية للمفاضلة بين البدائل المتاحة وبالتالي إختيار أمثلها.
• مواجهة مشكلات خاصة: إن مجموعات المهام أو الوظائف الفرعية الأربعة السابقة الذكر هي مهام دورية، ومتكررة بشكل مستمر للإدارة المالية، ولكن قد تواجه هذه الإدارة من وقت إلى آخر مشاكل مالية ذات طبيعة خاصة وغير معتادة، ومن هذه المشاكل نذكر مثلا العسر المالي، إعادة التنظيم، الإندماج مع مؤسسة أخرى أو أكثر، الإنفصال عن وحدات تجمعها مؤسسة واحدة، الافلاس، والتصفية...إلخ، مما يستوجب إتخاد القرارات والإجراءات اللازمة لمواجهتها أو معالجتها في الأوقات المناسبة.
4. أسس الإدارة المالية:
توجد هناك مجموعة من أسس في الإدارة المالية تصلح لكل زمان ومكان، ويستطيع أيّ شخص البدء بتطبيقها لتساعده في نهاية المطاف على زيادة ثروته، وتشمل أسس الإدارة المالية ما يلي:
- التخطيط للمستقبل وتحديد أهداف مالية واضحة: إن السبب الرئيسي في عدم وصول الكثير من الأشخاص إلى الحرية المالية المنشودة يكمن في عدم وضعهم لخطة واضحة تتضمن أولويات الإنفاق، مما يتسبب في تجاوز نفقاتهم العامة حجم الدخل بلا حسابات مسبقة؛ فلا بد أن تكون أهداف توفير الأموال متماشية مع الوضع المالي للشخص، مع مراعات أهمية البقاء على إستعداد مسبق لمواجهة الحالات الطارئة والمصاريف غير المتوقعة.
- ضمان عدم تجاوز المصاريف للدخل: إذا إستطاع الفرد ضبط نفقاته بحيث يكون معدل الإنفاق أقل من معدل الكسب، فسيتمكّن غالبًا من الحفاظ على ميزانيّته المالية في وضع جيد، حيث تعتبر هذه من أهم القواعد الأساسية لإدارة المال بفعالية، فالشخص الذي يلتزم بها لن يضطر إلى الإستدانة والإقتراض، أو ودفع الفوائد لعدة سنوات، وسيحظى نتيجةً لذلك بحياة متّزنة خالية من التوترات والأعباء المالية؛ وحتى يصل المرء إلى هذا التوازن فعليه أوّلًا فهم الفرق بين الإحتياجات والرغبات، ثمّ العيش في حدود الدخل بلا تجاوز.
- إستغلال الوقت بالشكل الأفضل: يعد هدر الوقت وإضاعة المال وجهان لعملة واحدة، حيث يجب على الشخص البدء بتوفير المال وإستثماره في عمر مبكر في ضوء إرتفاع تكاليف الحياة مع مرور الوقت.
- إدراك الوضع المالي: لن يتمكن الفرد من التخطيط السليم للمستقبل ما لم يكن مدركًا لوضعه المالي؛ وبشكلٍ أبسط فإن الوضع المالي للشخص هو الدخل الشهري الذي يمكنه من تحقيق نمط الحياة المناسبة له، وعندما يدرك المرء ذلك فإنه يبدأ بالإنفاق بحكمة وحصافة، ويبتعد عن مجاراة المظاهر والجري وراء الكماليات الكثيرة في وقتنا الحاضر.
- توفير المال للحالات الطارئة: إن المصاريف غير المتوقعة تعد من أهم التحديات التي تقف أمام الإدارة المالية السليمة، لذلك يتعين على الفرد توفير المال بُغية التعامل مع الحالات الطارئة وغير المتوقعة، مثل (الحوادث، أو تكبُّد الخسائر، أو التعطل عن العمل...).
- متابعة المصاريف بشكل دوري: لقد إنتشرت الحلول والتطبيقات البنكية الإلكترونية نتيجة للتحول الرقمي في مختلف القطاعات، حيث أصبح بإمكان الشخص سداد فاتورة أو إكمال معاملة خلال دقيقة واحدة أو أقل؛ ويمكنه أيضًا تتبُّع المصاريف بشكل دوري، وتحديد إجمالي المصاريف المدفوعة بشكل شهري أو أسبوعي بإستخدام تطبيقات الخدمات البنكية الإلكترونية التي أصبحت متاحة على معظم الهواتف الذكية.
- إستثمار الأموال: إنّ أساس "إستثمار الأموال" هو أحد أهم أسس الإدارة المالية السليمة، وبمجرد أن تبدأ مدّخرات الفرد بالتزايد، عليه أن يبحث عن أنسب الطرق لتنمية هذه الأموال من خلال الإستثمار، فلا يكفي أن يحتفظ الشخص بالمال دون إستثماره، لأنه سيفقد قيمته مع مرور الوقت.
يعتبر المال عاملًا هامًا في حياة كل شخص، حيث أن إمتلاك المال الكافي يمنح الشخص خيارات مختلفة لنوعية حياة أفضل، ويمكّنه من الإنفاق على الإحتياجات الضرورية بالنسبة له؛ ومن الأهمية بمكان إدراك الحاجة إلى إدارة الموارد المالية للشخص وإنفاقها بشكل حكيم فالمال الكثير يصبح قليلًا بسوء التدبير، والمال القليل يزداد وينمو بحسن التدبير.
من الطبيعي أن لا يقدم المال حلولًا لجميع مشاكل الحياة، وأن يدخل السعادة إلى النفوس والقلوب، غير أنَّه من المهم تحقيق التوازن بين كسب المال وإستثماره وتنميته بالعمل الجاد، والإستفادة من الفرص للإستمتاع بحياة مُرضية؛ ومن أجل أن يتسنّى للشخص إستغلال المال بالشكل الأفضل، عليه أولًا إدارة أمواله بصورة متوازنة، دون إفراط في الكسب أو تفريط في الإنفاق وذلك عن طريق إتباع النقاط التي ذكرناها فوق.