السوق المالي هو ذلك الإطار الذي يجمع بائعي الأوراق المالية مع مشتري تلك الأوراق المالية، بغض النظر عن الوسائل التي يتم من خلالها تحقيق هذا المزيج، أو مكان حدوثه ولكن بشرط توفر قنوات إتصال فعالة بين المتعاملين في السوق، وذلك لجعل الأسعار السائدة في أي لحظة زمنية واحدة محددة لأي ورقة مالية يتم تداولها فيه؛ ويتم تنظيم الأسواق المالية من خلال عدة طرق نتطرق لها في هذا المقال.
طرق تنظيم الأسواق المالية:
يختلف تنظيم سوق الأوراق المالية فيما يخص السلطات والهيئات المكونة لها، كما تتغير هذه الهيئات بتغيير قوانين البلد، وبهدف أخد صورة عامة حول عملية تنظيم سوق الأوراق المالية نتطرق إلى نموذج بورصة الجزائر، التي يعتمد أساسا في تنظيم السوق على كل من لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة وشركة تسير الأوراق المالية.
1. لجنة تنظيم سوق الأوراق المالية:
أنشأت لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها بموجب المرسوم التشريعي 11-33 المؤرخ في 23 ماي سنة 1933، والمتعلق ببورصة القيم المنقولة المعدل والمتمم، هي سلطة ضبط مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي، وتتولى اللجنة مهمة تنظيم سوق الأوراق المالية ومراقبتها بالسهر خصوصا على ما يأتي:
- حماية المستثمرين في الأوراق المالية: تسهر لجنة تنظيم البورصة ومراقبتها على حماية المستثمرين من خلال تسليم تأشيرة على المذكرات الإعلامية التي تعدها كل مؤسسة تلجأ إلى الطلب العلني على الإدخار بمناسبة إصدار أوراق مالية أو إدخال في البورصة أو بمناسبة إجراء عروض عمومية، وتمارس اللجنة زيادة على المراقبة القبلية على الإعلام، مراقبة بعدية على الشركات المقبولة في التسعير، وتتعلق هذه المراقبة بالمنشورات القانونية والتنظيمية التي تخضع لها هذه الشركات (الكشوف المالية والتقارير السنوية)، وتعني تأشيرة اللجنة أن المعلومة التي تتضمنها المذكرة الإعلامية صحيحة وكاملة وكافية لتمكين المستثمر من إتخاد قراره بالإكتتاب أو بإقتناء أوراق مالية عن سابق علم ودراية.
- حسن سير سوق الأوراق المالية وشفافيتها: تهدف مراقبة السوق أساسا إلى ضمان نزاهة سوق الأوراق المالية، وتنصب على مراقبة نشاطات الوسطاء في عمليات البورصة، وماسكي الحسابات حافظي السندات، وشركة تسيير بورصة القيم، والمؤتمن المركزي على السندات، وهيئات التوظيف الجماعي في الأوراق المالية، وتسمح هذه المراقبة للمكلف بالضبط بالتأكد مما يأتي: إحترام الوسطاء في عمليات البورصة للقواعد الرامية إلى حماية السوق من كل سلوك تدليسي أو غير منصف، تسيير السوق حسب القواعد التي تضمن الشفافية وحماية المستثمر، القيام بتسيير السندات وفق الأحكام التشريعية والتنظيمية التي تحكمها.
2. شركة تسيير القيم المنقولة:
تتمثل المهام والأهداف الأساسية لشركة تسيير القيم المنقولة حسب المادة 11 من المرسوم التشريعي رقم 11-33 يتعلق ببورصة الأوراق المالية، فيما يلي:
- التنظيم العملي لإدخال الأوراق المالية إلى البورصة.
- التنظيم المادي لجلسات التداول.
- تسجيل مفاوضات الوسطاء في عمليات البورصة.
- تنظيم عملية مقاصة الصفقات على الأوراق المالية.
- تسيير نظام للتفاوض في الأسعار وتحديدها.
- نشر المعلومات المتعلقة بالمعاملات في البورصة.
- إصدار نشرة رسمية لجدول التسعيرة (تحت مراقبة لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة).
- تمارس الشركة نشاطها تحت رقابة لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة.
3. المتدخلون في سوق الأوراق المالية:
- الوسطاء الماليون: يعتبر الوسطاء الماليون من بين المتدخلين في الأسواق المالية، فهم يكونون عمودها الفقري، إذ يقومون بتنشيطها بتقريب البائعين والمشتريين للأوراق المالية وتنفيد أوامرهم، كما توسع نشاط الوسطاء ليشمل مجالات البحوث والتحليل وتقديم النصائح لمختلف المتعاملين في الأسواق المالية سواء كانوا مستثمرين أو جمهور أو مؤسسات إستثمارية أو مؤسسات تبحث عن التمويل.
- الجمهور: يتمثل في الأفراد الطبيعيين الذين يستثمرون في الأسواق المالية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بإستعمال صندوق من الصناديق الجماعية للإستثمار.
- المستثمرون المؤسسون: تتكون هذه الفئة من البنوك، شركات التأمين، صناديق التقاعد، وشركات الإستثمار، ويعتبر هؤلاء من المتدخلين المهمين والرئيسيين في الأسواق المالية، وذلك لما تجلبه هذه المؤسسات من إدخار نحو الأسواق المالية، حيث تعتبر هذه المجموعة من أهم مزودي الأسواق المالية برؤوس الأموال على المدى الطويل لإمتيازها بنوع من الإستقرار والثبات في قدرتها الإدخارية والإستثمارية.
- المؤسسات الصناعية والتجارية: تعتبر المؤسسات الصناعية والتجارية من بين المتدخلين الرئيسين في الأسواق المالية، فهي تلجأ إلى الأسواق المالية من أجل الحصول على رؤوس الأموال الضرورية بغرض تمويل الفرص الإستثمارية الجديدة المتاحة لها أو بغرض التوسع، ويتم ذلك عن طريق إصدار الأدوات المالية في الأسواق المالية، كما لم يبقى لجوء المؤسسات إلى الأسواق المالية مقتصرا على إمكانية الحصول على التمويلات اللازمة، بل أصبحت تتدخل في الأسواق المالية عن طريق توظيف إمكانياتها المالية، حيث عمدت هذه المؤسسات إلى إستثمار فوائدها المالية في الأسواق المالية عن طريق شراء وبيع الأدوات المالية قصد الحصول على عوائد في إطار المخاطر المحتملة.
- الدولة: تعتبر الحكومات أيضا من المتدخلين في الأسواق المالية وخاصة في أسواق السندات، إذ عادة ما تلجأ الحكومات إلى إصدار السندات الحكومية من أجل تغطية العجز في الميزانية العمومية، أو من أجل تمويل المشاريع التنموية الضخمة وخاصة منها ذات الطابع الإجتماعي، أو من أجل التحكم في معدلات التضخم.
4. أوامر سوق الأوراق المالية:
الأوامر عبارة عن توكيل يعطي الحق للوسيط بعقد صفقة بيع أو شراء أوراق مالية لصالح المستثمر، فهي تعليمات يمنحها المستثمر للوسيط المالي بغرض شراء أو بيع الأوراق المالية المتداولة في الأسواق المالية، وتختلف أوامر الشراء والبيع بإختلاف سعر ووقت التنفيذ، ولهذا على المستثمر أن يوضح بشكل دقيق للوسيط المعلومات المتعلقة بالسعر ومدة صلاحية الأمر.
وتعتبر هذه المعلومات أساسية عند تحديد أي أمر أو تسليمه للوسيط قصد تنفيذه، كل أمر يأتي من المستثمر لا بد أن يكون مكتوبا بشكل دقيق لكي ينفذ بطريقة جيدة من طرف الوسيط، وهذا الأخير هو الوحيد الذي له صلاحية تنفيذ الأوامر؛ وتقسم الأوامر إلى أربعة مجموعات أساسية:
- أوامر السوق: يعد الأمر السوقي من أكثر الأوامر شيوعا وبمقتضاه يطلب العميل من السمسار تنفيد العملية المطلوبة على وجه السرعة وبأفضل سعر يجري على أساسه التعامل في السوق وقت إستلام الأمر، ففي حالة الشراء يكون أفضل سعر هو أقل سعر يمكن الحصول عليه، أما في حالة البيع يكون أعلى سعر هو أفضل سعر للبيع، ونظرا لأن الامر لا يتضمن سعرا معينا فإن الصفقة عادة ما تنفذ في دقائق معدودة، وتكمن مزايا هذا النوع من الأوامر في سرعة وضمان تنفيذه، أما عيوبه فتكمن في عدم معرفة العميل بالسعر إلا عند إخطاره به، ولكن في الأسواق ذات الكفاءة العالية لا تكون لتلك العيوب وزن كبير، على أساس أن التغيرات السعرية من لحظة إلى أخرى عادة ما تكون محدودة.
- أوامر محددة للسعر: في هذا الامر يتم تحديد السعر من طرف المستثمر عند إصدار الأمر للسمسار، الذي سيقوم بتنفيذ الأمر على أساسه، وهذا يعني أن المستثمر يحدد الحد الأقصى للسعر في حالة أوامر الشراء والحد الأدنى في حالة أوامر البيع، وتكمن مزاياه في أن المستثمر يعرف مسبقا وإلى حد كبير السعر الذي سيحصل عليه في البيع أو الشراء، أما عن عيوبه فتظهر في أن سعر السوق قد لا يصل إلى السعر المحدد وبالتالي لا تنفذ الصفقة.
- الأوامر المحددة لوقت التنفيذ: هي تلك الأوامر التي يكون فيها الزمن هو الفيصل في تنفيذ الصفقة أو عدم تنفيذها، وقد تتراوح مدة الأمر بين يوم، أسبوع، أو شهر، وقد يكون الأمر مفتوحا أي لا يوجد تاريخ محدد للتنفيذ.
- الأوامر التي تجمع بين سعر ووقت التنفيذ: وهي الأوامر التي يحدد فيها سعرا معينا للتنفيذ كما يشترط أن تتم الصفقة خلال فترة زمنية معينة قد تكون يوم، أسبوع، أو شهر، وهي تجمع بين مزايا الأوامر المحددة لسعر التنفيذ والأوامر المحددة لوقت النفيذ.
- أوامر حسب مقتضى الأحوال: يقصد بذلك أن يترك للوسيط الحق في إبرام الصفقة حسب ما يراه مناسبا، وقد تكون حرية السمسار أو الوسيط في هذا النوع من الأوامر مطلقة، فهو الذي يختار نوع الورقة محل التعامل وكذا السعر الذي تتم به هذه الصفقة.
وما إذا كانت هذه العملية هي عملية بيع أو شراء وكذلك توقيت تنفيذها، أما الأوامر المقيدة فتقتصر فيها حرية الوسيط على توقيت التنفيذ والسعر الذي تتم من خلاله هذه الصفقة، من مزايا هذا النوع من الأوامر أنه يوفر المرونة اللازمة لإقتناص الفرص في الوقت المناسب دون الرجوع إلى الآمر بالتنفيذ.
أما عيب هذه الأوامر هو أن السماسرة يرون أن ذلك عبئا عليهم ويخشون من عدم إرضاء العملاء بالكامل، فضلا عن صعوبة معرفة العملاء بمركزهم المالي دون الإتصال بالسمسار.